صرخة صمت في ملكوت الشِّعر

ماذا فعلـتُ؟ وما أضلَّ بصـيرتي؟

وَشَـمَتْ جبيني واستباحَتْ خَلـوَتي

أنكرتُ تاريخي، وخُنـتُ أصـالتي،

وشـرِبتُ نخـبَ فجيعَـتي بدفاتري

وظننتُ أنّي في الفضـاءِ مسـافرٌ

ما خِلْتُ نفسـي، إذ بـدأتُ، بأنني

لا رأيَ لي في مـا شـددْتُ عزيمتي

عبثـاً ألاحـقُ مـا يؤانـسُ غربتي

فمكثتُ في شـتّى المحافـلِ وافـداً

لا العَـودُ ينفـعُ، والحنـينُ يهدُّني،

فرميـتُ عن جسـدي إزارَ حقيقتي

فـاضَ الخيـالُ بما يسـايرُ خاطري

رُمْتُ التجارةَ ما استشرتُ مشاعري

ونَمَـتْ على خبزِ الوُعودِ شـهيَّتي

أطأُ الملاعـبَ لا التلاعبَ حامـلاً

وحسِـبتُ نفسي في التِّجارةِ فارساً

فـإذا بِـقَومـي لا يُقيمُ لِوَعـدِهِ

وقَضيَّـةُ الأخـلاقِ يـأتي دورُهـا

ثـمَّ الصـلاةُ علـى النَّـبيِّ وآلِـهِ

وتوالـتِ الخيبـاتُ، كلُّ مصيبـةٍ

لكنَّ عُنْـدي وازديـادَ خسـائري

فسـلَكْتُ دربَ مقامِرٍ فَتكَتْ بِـهِ

واجَهْـتُ ما حـارَ الطُّغاةُ بأمـرِهِ

وصَـحَوْتُ يا لَندامَتي وتحسُّـري!

كُنْـتُ الأمـينَ على فَصاحةِ أمَّتي

أَحْـرزتُ مجـدي في جميـعِ منازلي

تزهو العروبةُ حينَ تُنجِـبُ شـاعراً

إنْ قلـتُ شـعراً، والطبيعةُ أنصتتْ

فأنا الذي وهـبَ القوافي سـحرَها

قلمـي يجـفُّ ولا تـجفُّ منابعي

تترقَّبُ الكلمـاتُ نَبْضَ مَشَـاعِري

غضبي على نفسـي تجـاوزَ نقمَـتي

فمسـَحتُ دمعـةَ نادمٍ فاضتْ بِها

القلْـبُ يسـألُ والدمـوعُ تجيبُـهُ

أينَ الرفـاقُ على المحبَّـةِ نلتقـي؟

أيقظتُ في ليلِ الجُنـون مواجِعـي

مما كتبتُ، وبعضُ شِـعري خالـدٌ

فإذا اعترفْـتُ بما اقتَرَفْتُ مسـافحاً

ودخلـتُ محرابَ القصيـدةِ تائبـاً

الشـعرُ مني كُـلُّ ما ملَكَتْ يـدي

أخطـأتُ إذ ألقيـتُ نايَ تبتُّـلي

يـا أيُّهـا الشُّـعراءُ لا تتمـرَّدوا

كي أُبـدِِلَ النُّعمـى بِوَصمـةِ عارِ

بينـي وبيـنَ بَدائـعِِ الأشـعارِ

وكتمتُ صوتي، واخْتصرتُ حواري

تلـكَ التـي أودعتُهـا أسـراري

وبـأنَّ كـلُّ الخيـرِ في الأسـفارِ

أطـأُ النُّجـوم على هدى الأقدارِ

سـعياً إليه، وما حَسَـمتُ خياري

ولَظى حَنـيني واغتِـرابَ ديـاري

وعلى الـدَّوام مشـتَّتَ الأفـكارِ

ولا الـمُضِـيُّ لآخِـرِ المشـوارِ

ولَبِسـتُ ثوبَ الزَّيفِ والإنكـارِ

كمـا تفيـضُ منـابـعُ الأنهـارِ

في ما أُحِـبُّ، ومـا عليـهِ أداري

والمـالُِ أصبَـحَ كعِبـتي ومزاري

صدقَ الخليقةِ، والطُّموحُ شـعاري

مادامـتِ الأخلاقُ طـوعَ قراري

وزنـاً إذا أعطـاهُ دونَ ثِمــارِ

بعـدَ اقْـتِسـامِ الربـحِ والأدوارِ

كـلٌّ يـزاوِدُ في التُّـقى ويُبـاري

حَلَّتْ ببعضي أفسـحت لحصاري

وجموحَ طبعي أوجبَ اسـتمراري

نارُ التَّحـدّي، فاكتَوَيْـتُ بناري

كَـلَّ النِّـِيابِِِ مُقَلَّـمَ الأظفـارِ

وسـوادِ ليلـي واسـوِدادِ نهاري

بـالحِفْـظِِ والإصْـغاءِ والتَّكـرارِ

من إرثِ “أَوسٍ” أو تُراثِ “نـِزارِ”

مِثلـي يـرومُ مخابـئَ الأقمــارِ

فـاحَ العبـيرُ وبـاحَ لـلأزهـارِ

عِنـدَ التَّحدّي لا يُشَـقُّ غُبـاري

إن الحـروفَ تَعَتَّـقَتْ بجِـراري

لتكـونَ بعضَ البعضِ في أشعاري

إنّي فُجِعْـتُ بِعِـزَّتي وفخـاري

عـينٌ تُخـادِعُ نِِعمـةَ الإبصـارِ

عـن ذكريـاتٍ عذبـةِ التَّذكـارٍِ

من حضـرةِ الشُّـطّارِ والتُّجـارِ!

شـوقاً لبعضِ أحِبَّـتي وصِغـاري

والبعـضُ منـهُ كَلُؤلـؤٍ بمحـارِ

مُتَلَـبِّسـاً بـالسَّـبقِ والإصـرارِ

مسـتغفراً، هلْ يُقبَلُ اسـتغفاري؟

والبعـدُ عنْـهُ نهـايتي ودَمـاري

وكفرتُ حينَ تقطَّـعَتْ أوتـارِي

وحذارِ مِنْ غضـبِ الحروفِ حذارِ

دمشق 13/11/2006

Comments are disabled