شريفة فاضل.. الرسالة المفاجَأة

كان ميثاق السابع عشر من نيسان (أبريل) 1963 حدثاً تاريخياً لن يتكرر في المدى المنظور، إذا أفرطنا في التفاؤل. فقد اتفقت كل من سورية والعراق ومصر على شكل من أشكال الاتحاد في ما بينها، وحلت الأفراح والليالي الملاح في الكيانات العربية الثلاث، وعشنا أياماً لا تنسى، وكنت قد احتفظت بنسخة من مجلة “الأسبوع العربي” على غلافها صورة تضم الرؤساء الثلاثة: جمال عبد الناصر، ولؤي الأتاسي، وأحمد حسن البكر لسنين عديدة، لكنها فُقِدت نتيجة الترحال الذي وسم حياتي قبل أن أستقر في السنوات الخمس عشرة الأخيرة.

لم يبق مطرب أو مطربة إلا وأحيا تلك الحفلات الرائعة، ليس من دول الاتحاد فقط، وإنما من الكثير من الدول العربية الأخرى، وبالطبع، كان لبنان، توأم سورية ورئتها وقلبها النابض، في المقدمة. في تلك الحفلات تألقت المطربة شريفة فاضل أيما تألق، وغنت أجمل أغنياتها بصوتها العذب، و”البحة” الأسطورية التي تميزه، فحصدت من الإعجاب أضعافاً مضاعفة.

أصبحت شريفة فاضل مطربتي المفضلة، أتابع أخبارها وأغنياتها، وكنت في الرابعة عشرة من العمر، وأنا أهوى الفن والموسيقى والشعر. في تلك الأيام كانت مجلة “الموعد” لصاحبها المرحوم محمد بديع سربية أكثر المجلات شيوعاً بين الشباب، وكان أحد أبوابها “كوكب القراء” ينشر صورة كبيرة للفنان “الكوكب” وعلى الصفحة المقابلة بضعة أسطر يكتبها المعجب، فقررت أن أكتب لـ”نجمتي” شريفة فاضل كلمات الإعجاب التي لم أعد أذكر منها الآن شيئاً، فنشرت المجلة كلماتي، وصورة على مساحة الصفحة للمطربة المفضلة.

بعد أيام قليلة، زن جرس البيت رنة طويلة، كانت تميز ساعي البريد، فتح والدي الباب فأعطاه الساعي رسالة ومضى. نظر والدي إلى المغلف السماوي اللون، فإذا به من مصر، وقد كُتب عليه اسمي واسم المدينة فقط. سألني الوالد إن كنت أراسل أحداً في مصر فأجبته بالنفي، وبالفعل لم أكن أراسل أحداً من هناك، فأعطاني الرسالة وتوقف ليستطلع الأمر. فتحت الرسالة فإذا بها صورة (كارت) لشريفة فاضل، كُتب عليها بالحبر الأزرق (مع أطيب تمنياتي) وموقعة باسم شريفة فاضل. نظر إلي والدي مندهشاً وسألني باستغراب: هل تراسل المطربات؟ قلت له: لا.. لم أراسل أحداً. بالطبع لم يصدقني على الرغم من أنني معروف بالصدق منذ كنت صغيراً. قال لي ساخراً: إذاً هي المعجبة بك وتراسلك. لم أكن قادراً على متابعة النقاش لأنه لن يصدقني. فأضاف: إذا لم تراسلها ولا تعلم كيف أرسلت لك صورتها، دعنا نمزق الصورة. قلت محتجاً: تمزقها؟ سأشتري لها إطاراً وأضعها على طاولة دراستي، وانتهى الأمر هنا.

غبطني أصدقائي، وأخذوا الصورة وصوروها، ونسخوا منها العديد من النسخ، وتوزعوها في ما بينهم، وكانت لا تزال معي لفترة طويلة. لكن كثرة الترحال أفقدتني الكثير من أشيائي الصغيرة القيّمة، والتي تحمل ذكريات غالية، كما ضاع أرشيفي الذي لا أحتفظ منه بأكثر من عشرة بالمئة.

Comments are disabled