بين الأستاذ سنبل وبيني

كان الحلاق الواثق من نفسه يضع لوحة كُتب عليها “الحلاقة بموعد مسبق”، لكن الصالون كان خالياً من الزبائن ذات بعد ظهر صيفي، وكنت على عجل من أمري. سألته: لا وقت لدي للعودة إليك بناء على موعد، هل لديك الاستعداد الآن لتحلق لي. أجاب: تفضل.

جلست على الكرسي، ظهري إلى الشارع، والمرآة الكبيرة تتيح لي التفرج على الذين يمرون على الرصيف بالاتجاهين. بينما بدأ الحلاق العمل بما تبقى من شعر في رأسي.

خرج الحلاق للحظات من الصالون، فشاهدت رجلاً يقف في الباب، وما إن لمحني ألقى التحية. رددت عليه بتحية، لكنه كان ينظر إلي نظرة من يعرفني، فعاودني القول: كيفك أستاذ؟

أجبت: الحمد لله، وأنت!

قال: يبدو أنك لم تعرفني، لا أظن أنك نسيتني!

وتابع: ماذا؟ هل غيرت السيارة؟

أدركت أن الرجل مشتبه بي فقلت: ليس لدي سيارة هذه الأيام.

قال بدهشة: هذه السيارة.. ذات اللوحة “هيئة دبلوماسية”.

عندئذ أدركت تماماً أن الرجل مشتبه، فقلت: أنا سوري، ولا أحتاج للوحة “هيئة دبلوماسية”.

قال باستغراب: ألست الأستاذ سُنبُل؟

أجبت: أرأيت؟ لست أنا الأستاذ سنبل، ولا أعرف أحداً بهذا الاسم.

اقترب مني، وقبّل رأسي وهو يقول: مستحيل.. مستحيل.. أنت الأستاذ سنبل.

أخرجت تذكرة هويتي من جيبي وأريتها للرجل ليتأكد.. وحين اقتنع راح يعتذر مني بشدة، ويقسم أن شبهي بالأستاذ سنبل مئة بالمئة، ورجاني أن أتعرف على الرجل، فهو مدير الخطوط الجوية السعودية في “الفردوس” وسط دمشق.

عاد الحلاق ليكمل عمله، فيما غادر الرجل المشتبِه المكان. لكن القصة لم تنتهِ.

*     *     *

بعد أيام قليلة التقيت صديقاً لي مهندساً يعمل بالتعهدات، ويتعامل مع المصرف العقاري، القريب من منطقة الفردوس، وهو المهندس علي رمضان. فبادرني القول:

لو تدري ماذا حدث لي قبل عدة أيام!

قلت: ماذا حدث؟

قال: كنت خارجاً من المصرف، فالتقيتك في “الفردوي”، لكنك لم تنتبه لي، فاستوقفتك، وصافحتك، وقبلتك، لكنك كنت جافاً جداً معي، فسألتك بدهشة: دريد! ما بك؟ ماذا جرى؟

أجبتني: عفواً يا أخ، أنا لست “دريد”، اسمي “سنبل”، مدير الخطوط الجوية السعودية.

ودعاني إلى مكتبه، فاعتذرت منه، وشكرت له دعوته.

أضاف: الشبه بينك وبينه غير معقول، إنه مئة بالمئة.

رويت لـ”علي” ما حدث لي قبل أيام عند الحلاق، وضحكنا. ولكن الحكاية أيضاً لم تنتهِ.

*     *     *

مرت أيام أخرى، وكنت أشتري بعض اللوازم التي لا تتوفر إلا عند وكيلها في “الفردوس”، وحين خرجت إلى الشارع، لمحت “على” قادماً باتجاهي، وما إن اقتربنا، قصدت ألا أبتسم له، لكنني كنت أنظر نحوه، فتوقف يسألني:

عفواً.. هل أستطيع أن أعرف إن كنت “دريد” أم “سنبل”؟

عندئذ لم أتمالك نفسي فضحكت، فعرف أنني صديقه، فتعانقنا ونحن نضحك.

مع ذلك، لم يتوفر لي الوقت والرغبة الشديدة في التعرف إلى شبيهي، وحين سألت عنه، أُبلِغت بأنه انتقل إلى مكان آخر.

Comments are disabled