سوزان.. صديقة المراسلة

كنا في حوالى الثالثة عشرة من العمر، مجموعة من الأصدقاء تتفتح للحياة عن طريق المطالعة والاطلاع، وحضور الأنشطة الثقافية والفنية، كنا مجموعة متميزة، ولكل منا اليوم شأن.

على الرغم من أنني كنت مواظباً على قراءة مجلة “الأسبوع العربي”، كنت كذلك أطلع على مجلة “طبيبك” للمرحوم الدكتور صيري القباني، الذي أقر له بأنه ربّى أجيالاً على المعرفة السليمة والعلم، كما كنت أتابع مجلة “الموعد” كمجلة فنية.

كان في مجلة “الموعد” باب للتعارف، أرسلنا أسماءنا كهواة للمراسلة إليه دون أن تنشر، فخطرت لأحد الأصدقاء فكرة إرسال اسم بنت بدلاً من أسمائنا، فلنجرب.

اخترت اسم “سوزان”، وتوقفت عند الكنية. ففي دائرة البريد يعرفوننا، ولو كُتب على المغلف فقط كلمة “نوايا” لأحضروا الرسالة إلينا، لذلك كان لا بد من أن يكون اسم البنت الذي سأرسله هو “سوزان نوايا”.

ما كدتُ أرسل الاسم ختى نُشر في العدد التالي مباشرة، وما كاد العدد يصدر، حتى انهالت الرسائل من كل حدب وصوب، على امتداد الوطن الكبير. بالطبع، لم تكن ثمة إمكانية للرد على أي من هذه الرسائل، لكنها كانت تسليتنا اليومية، نقرأ ونضحك، وكان يصل عدد الرسائل في بعض الأيام إلى العشرات. حتى أننا كنا نتلقى رسالة من حين لآخر بعد خمس سنوات من هذه (الولدنة) التي ارتكبتُها.

إحدى الرسائل كانت من نفس المدينة، لم نرد عليها بالطبع، فأرسل مرسلُها رسالة أخرى يعاتب “سوزان” على التجاهل وعدم الرد. وبعد أيام وصلت رسالة ثالثة يعاتبُ مرسلُها، ويطلب يد سوزان، لكنني لم أرد. لاحظنا بعد ذلك شاباً يقف طويلاً، وبشكل متكرر أمام بيتنا، ويبدو أنه توقع أن تكون أختي الصغرى هي “سوزان”.

ذات يوم، كان لدى أمي، طيب الله ثراها، ضيوف في غرفة الاستقبال، وبينما كنتُ في المطبخ، جاءت أمي، وأمسكت بذراعي قائلة: تعال معي. وأخذت (تشحطني) إلى غرفة الاستقبال، فأدخلتني وهي تقول للضيوف: هذه هي سوزان. ثم أفلتتني، فهربت راكضاً.

لقد تبين أن الشاب العاشق (تأكد) من أن “سوزان” لا تتحدث لأحد، وأنها شريفة نظيفة (ما باس تمها غير أمها)، فقرر أن يخطبها، وأرسل أهله لهذا الغرض، وكان على أبواب التخرج من دار المعلمين.

كانت الهدايا ترد بشكل يومي في البداية، لكنني، وقد اعتدت الصدق في حياتي، أخبرت ساعي البريد بالحقيقة، ليعيد الهدايا إلى مرسليها، وكذلك الرسائل المسجلة.

مع ذلك، كانت ترد بعض الهدايا الرمزية ضمن المغلفات، كزهرة مجففة، أو سيجارة أحياناً، أو بطاقة بريدية، وما إلى ذلك.

Comments are disabled