صحفي مشبوه

رغبتْ إحدى الصديقات التي تربطنا بها علاقة أسرية في دخول عالم الصحافة، وهي مهندسة ناجحة من إحدى كيانات الوطن، لكنها تعيش وأسرتها في دمشق منذ عقود، فطلبت مساعدتي.

قمت بواجبي، وأفسحت لها المجال، إذ كنت مراسلاً لمجلة “الاقتصاد والنفط”، فأبلت بلاءً حسناً، واجتهدت، وأصدرت كتابين هامين، شكرتْ لي في الأول منهما ما اعتبرته فضلاً لي، وشكرت لها وفاءها.

في ضحى أحد الأيام، رن جرس الهاتف، فكانت الصديقة على الطرف الآخر، تدعوني وزوجتي لتناول القهوة في بيتها، فوافقنا ولبينا دعوتها.

وبينما كنا نتناول بعض الأحاديث العامة والثقافية، نهضت السيدة وأحضرت رسالة في مغلف، قدمتها لي قائلة:

  • هل تتفضل بالاطلاع على هذه الرسالة؟

تناولت الرسالة وشرعت في قراءتها. كانت موجهة إلى عميد أسرتهم، وهو طبيب معروف ومحترم، وله حضور في عالم الثقافة والفن.

يقول محتوى الرسالة إن السيدة تتعامل مع شخص مشبوه، يستغل هويته الصحفية، فيدخل حيث يشاء، ويقابل المسؤولين والوزراء، ومن الأفضل منع قريبته من التعامل معه لكي لا تصبح مشبوهة مثله، وبأن كاتب الرسالة أراد أن يعمل معروفاً، ويوقع الرسالة باسم “فاعل خير”.

قرأت الرسالة بتمعُّن، وأعدتُ قراءتها. بالطبع كنتُ المقصود بالصحفي المشبوه، وكانت الصديقة المقصودةَ بالقريبة التي تتعامل معه.

وبينما كانت زوجتي تتناول الرسالة مني لتقرأها، قلت للصديقة:

  • لستُ المقصود بالإساءة، وما يريده فاعل الخير هذا شيء واحد: إبعادُك عن ممارسة الصحافة بالإكراه الأدبي، كون الرسالة موجهة للدكتور عميد الأسرة، وليس لزوجك مثلاً أو لكِ بشكل مباشر. وأضفت: فاعل الخير هذا من أقربائكم، لأنه استخدم كلمة يستخدمها الناس في بلدكم العزيز الشقيق.

قرأت زوجتي الرسالة وقالت:

  • كاتب هذه الرسالة امرأة، وليس رجلاً، يمكنك معرفتها إذا حاولت تذكر موقف ما!

إذاً “فاعل الخير” هذا امرأة من أقرباء الصديقة. تناولت الرسالة من جديد بحثاً عن قرينة أخرى، فلاحظت أمراً آخر:

  • الرسالة مكتوبة على آلة كاتبة “IBM”.

من الأدلة التي توفرت، أصبح من الممكن تحديد “فاعل الخير” هذا، لو تذكرت الصديقة مواقف من علاقاتها مع قريباتها، وماذا كانت المواقف منها بعد نشر كتابات لها.

وهكذا حُصر الأمر في واحدة فقط منهن، تعمل في مكتب على آلة كاتبة من النوع المذكور. ولم يبق إلا التأكد القاطع من ذلك لكي لا نترك مجالاً للظلم، وهذا ما حدث فعلاً بعد أيام قليلة، حين تأكدت الصديقة من الأمر بذكائها، وغباء هذه الفاعلة للخير.

تخيلت نفسي جاسوساً خطيراً حين قرأت الرسالة للوهلة الأولى، وحين تعمقت في ما جاء فيها، أدركت حقيقتها.

Comments are disabled