سارق المصرف

في بغداد، كان هناك صديقان يقيمان في فندق واحد يقع مقابل مصرف الرافدين، يفصل بينه وبين الفندق شارع الرشيد. أحد الصديقين مصري هرب من القاهرة بسبب أحداث يناير 1977، التي وصفها الرئيس أنور السادات بـ”انتفاضة الحرامية”، يحمل الهم القومي والوطني، ويناقش بالأمور العامة. أما الآخر فكان لبنانياً، لا علاقة له إلا بنفسه، يبحث عن كأس يشربه، أو جلسة في ملهى، ويلهث خلف أي امرأة يصادفها أملاً بما تجود به عليه. صديقان متناقضان في كل شيء، ولا يجمعهما أي شيء.

ذات ليلة صيف، وبينما كانا يجلسان على شرفة غرفة أحدهما يشربان العرق، انتشى الصديق المصري، وأخذ يتحدث شرقاً وغرباً، ولا يدري ما يقول. نظر إلى بناء المصرف مقابله، ثم قال لصديقه اللبناني:

  • تخيل لو أننا دخلنا هذا المصرف وأخذنا كل ما فيه من مال!

سأل اللبناني:

  • وكيف سندخله؟

سرح به الخيال وأجاب:

  • نحفر نفقاً من الفندق يمر من تحت الشارع، ثم تحت المصرف ونأخذ المال.

بالطبع كان المصري يقول ما لن يفعله، وما كان كلامه أكثر من “كلام سكارى”. لكن صديقه اللبناني فكر قليلاً، وقرر التخلص منه، لذلك ودَّعه بحجة أنه يريد أن ينام، ونزل إلى الشارع، وأوقف أول تاكسي باتجاه القصر الأبيض (مركز المخابرات العامة). وهناك، رفض الحديث إلا مع رئيس المخابرات، لأن هناك أمراً خطيراً سيحدث.

كان الليل قد انتصف منذ دقائق، وما إن سمع مدير المخابرات بالأمر الخطير، غادر بيته لمقابلة الشاب اللبناني، الذي أخبره أن عصابة مصرية ستقوم بسرقة مصرف الرافدين في الليلة المقبلة، فأخذ الرجل الأمر على محمل الجد، وكلف الشاب بتسجيل خطة السرقة باستخدام مسجلة صغيرة أعطاه إياها.

في اليوم التالي، زار الشاب اللبناني صديقه المصري في غرفته بعد الظهر، طالباً دعوته على كأس من الشاي، فخرج الشاب المصري ليوصي الخادم، فقام الشاب اللبناني بتشغيل المسجلة ووضعها تحت وسادة السرير دون أن يشعر صديقه. وحين عاد سأله عما تحدث عنه الليلة الماضية، لكن الصديق نسي الموضوع تماماًَ، وحين ذكّره بموضوع السرقة، ضحك وأجاب:

  • يا رجل، هل تجدني فعلاً قادر على ذلك، إنه كلام سكارى..

يئس الشاب اللبناني من صديقه المصري، لكن، عليه أن يسلم الشريط والخطة مسجلة عليه، فاللعب مع المخابرات العراقية ليس بالأمر السهل. وهكذا ذهب إلى صديق لبناني آخر، ورجاه أن يتحدث باللهجة المصرية، ويقول بأنه مع عصابة محترفة ستسرق المصرف الليلة، بمساعدة أناس آخرين.

سجل الصديق صوته، كلمة باللهجة المصرية، وأخرى باللهجة اللبنانية، فأخذ الشريط، وانطلق نحو القصر الأبيض. هناك قدَّم الشريط لـ”المعلم”، الذي استمع إليه بدوره، ثم أمر بتشكيل دورية لإحضار “المتهم البريء”، بينما احتجز الشاب اللبناني للتأكد من القصة.

حين أُحضر الشاب المصري سأله الضابط عدة أسئلة فأجاب إجابة من لا يعرف شيئاً، لكن الضابط أراد أن يُسمِعَه حديثه، فأنكر الشاب أن يكون هذا الصوت صوته، فقام بتسجيل الصوت ومقارنة الصوتين، واكتشف زيف ادعاء الشاب اللبناني، فاعتذر من الشاب المصري، وأعاده إلى المكان الذي أمر بإحضاره منه، بينما اختفى الشاب اللبناني، ولم نعد نراه، إذ تم تسفيره أو حبسه على الأغلب، عقاباً على بلاغه الكاذب.

اكتشفنا في ما بعد أن للشاب المصري صديقة مصرية، وكان صديقه اللبناني يحاول أن يجتذبها إليه دون فائدة، فقرر التخلص من صديقه المصري بهذه الطريقة القذرة، ليخلو له الجو، لكنه نال جزاءه.

Comments are disabled