الجاكيت الكحلي

لي صديق يسكن قريته التي تبعد عن دمشق حوالى عشرين كيلومتراً، لذلك تتباعد زياراتنا الأُسَرية، ونُعِدُّ لها ونتواعد ونخطط لتكون الزيارة في يوم عطلة، وغالباً ما تستغرق زيارتنا له ساعات، خاصة حين كان أولادنا صغاراً.

ذات يوم ذهبنا، كأسرة صغيرة، لزيارة (أبو مأمون)، وحين دخلنا المنزل، أخذنا راحتنا، كما يقال، فخلعت سترة بزتي الكحلية اللون، فأخذت ابنته السترة (الجاكيت) مني، وعلَّقتها في مكان ما من البيت.

أمضينا بعض يوم عند أبي مأمون، وأسرته بالطبع، بالأحاديث المختلفة، وشرح بعض الدروس للأولاد، والضحك، والطعام، حتى تجاوزنا جزءاً من الليل، فقررنا العودة للبيت.

نظرت فشاهدت سترتي الكحلية معلَّقة على مسمار مثبت في جدار إحدى غرف البيت الريفي، فتناولته وارتديته، وسرنا باتجاه سيارتنا، وسارت الأسرة المضيفة معنا مودِّعين، حتى أقلعنا باتجاه بيتنا.

وكما هي عادتي خلعت سترتي، وبدلت ثيابي، وسار كل شيء على ما يرام. وفي الصباح، نهض الأولاد، ونهضت معهم، هم يستعدون للذهاب إلى المدرسة، وأنا أستعد لتوصيلهم إليها، ثم أذهب إلى مكتبي، فقد كنت أصدر مجلتين علميتين اختصاصيتين، وأرأس تحريرهما.

ارتديت نفس السترة التي كنت أرتديها البارحة، ولا أدري كيف مددت يدي إلى جيبها لأرى أشياء غريبة، ليست لي. مددت يدي إلى جيب آخر فوجدت أشياء أخرى أيضاً ليست لي، فأدركت أنني ارتديت سترة صديقي، وما كدت أدرك ذلك حتى رن جرس الهاتف، وكان على الخط أبو مأمون يسألني:

  • ارتديت سترتي الكحلية، وما إن مددت يدي إلى جيبها وجدت عملة لبنانية، فسألت الأولاد عن مصدرها، فأنكر الجميع علاقتهم بذلك، فوجدت أوراقاً لك في الجيب الداخلي، ويبدو أننا تبادلنا (الجاكيتات)!

وبعد أن أوصلت الأولاد إلى المدرسة، التقيت أبا مأمون، وتبادلنا السترة، وارتدى كل منا سترته، وضحكنا وأحدنا يقول للآخر:

  • الكبّر عبَر.. إلى هذا الحد!

Comments are disabled