ناشر معتوه يهددني!

حين قررت إحداث هذا الموقع، كان أحد أهدافي أن أنقل تجربتي الغنية في هذه الحياة، وأنا على تخوم الستين. فهي تجربة لإنسان انتزع حريته مبكراً نسبياً، ورفض كل أشكال الوصاية، من وصاية الأب حتى وصاية رب العمل، مروراً بجميع المواقف الحياتية على كافة المستويات. أمضيت ثلاثين شهراً وعشرين يوماً ضابطاً في خدمتي العسكرية، بعد تخلف عنها دام اثني عشر عاماً، ولم أخاطب أحداً على الإطلاق بكلمة “سيدي”، ولم أسمح لأحد خلال عمري كله أن يأخذ قراراً يخصني نيابة عني، ولم أضطر، أيضاً على الإطلاق، أن أضرب أحداً أو أتعرض للضرب، على مدى كل هذه السنين. لكن ما واجهته، وأنا أروي ذكرياتي، أنني لم أُرد أن أذكر أسماء، لكي لا أسيء لأحد، واكتشفت أنني لن أتمكن من كتابة ثلاثة أرباع هذه الذكريات، مراعاة لشعور الآخرين.

ذات يوم من العام 1987 رن جرس الهاتف، وكنت أقيم في مدينة حمص، رفعت السماعة، فكان على الطرف الآخر شخص يطلبني، وكنت قد تعوّدت الأصوات الغريبة لأن الكثير من قرّائي يتصلون بي أحياناً. لكن المتصل كان ناشراً هذه المرة، فظننت أنه يريد مني عملاً، لذلك رحّبت به، وتعرفت عليه بالصوت، فرجاني أن أمر عليه عندما أحضر إلى دمشق، فوعدته، وشكرت له اهتمامه.

مضت مدة، حوالى أسبوعين لم أسافر خلالها إلى دمشق، فطلبني الرجل مرة ثانية، فاعتذرت منه مبدياً عذري. مرة ثالثة اتصل بي، ولكن بنبرة شديدة هذه المرة، فيها شيء من التهديد: “إذا لم تأتِ وحدك أعرف كيف أجلبك”. أجبته: “اخرس فأنا لا أهدَّد، وإياك أن تتلفن لي ثانية، لأنني لا أريد أن أتحدث لأمثالك من غير المهذبين” وأعدت السماعة إلى مكانها.

عاود الاتصال فلم أرد، وظل يحاول دون أن أرد. لكنه اتصل بعد ساعات، وحين سمعت صوته، قلت له: “ألم أقل لك لا تتصل ثانية، ما لم تستطع أن تفعله بيدك.. افعله برجلك”، فأخذ يعتذر، ويرجوني أن أستمع له.

أخيراً قلت له: “أخبرني ماذا تريد، أو احضر إلى حمص، أنا لن أمر عليك”، فاضطر للقول: “أنت استخدمت اسم داري للنشر على أحد كتبك”، سألته: “وما اسم دارك؟” ذكره لي، قلت: “لم أسمع بهذا الاسم من قبل، كم عمرك في عالم النشر؟” قال: “سبعة أشهر”، قلت: “شرف لك ولدارك أن تحمل اسمي إذا كان ذلك صحيحاً، لأنني أنشر الكتب منذ أكثر من اثني عشر عاماً، ولا أظنك إلا مخطئاً، فأنا أنشر في أهم دور النشر، ولا أبحث عن هاوٍ لينشر لي. يمكنك أن تفعل ما تريد”. بقي يرجوني أن أمر عليه حين أحضر إلى دمشق.

بعد عدة أشهر، وكنت أمر بالصدفة بالقرب من مكتبه، لمحت اسم الدار الذي ذكره، فساقني فضولي للدخول، والتعرف إلى هذه الشخصية، وما إن أخبرته السكرتيرة عن قدومي حتى خرج من مكتبه مستقبِلاً بحرارة. بعد قليل سألته عن الكتاب الذي يحمل اسم داره واسمي، فطلب نسخة منه على الهاتف من الخارج.

كان عنوان الكتاب، على ما أذكر “الأحاديث السنية – إذا لم تخنّي الذاكرة – في السنة النبوية”، وعليه اسم دار النشر فعلاً، لكن لا اسم لي عليه، وأنا لا أكتب في هذا المضمار، فسألته: “أين اسمي”، فبحث عنه ولم يجده، فراح يعتذر بشدة، ويتمنى أن أكون أحد كتّاب داره، فأجبنه: “إن شاء الله، حين تصبح دارك معروفة’”، وأكملت قهوتي، ومضيت.

العجيب في الأمر أن تاريخ نشر الكتاب يعود إلى العام 1967، بينما تأسست دار نشره بعد عشرين عاماً!!! في العام 1987، ويريد أن يقاضي من “سرق” له اسم دار النشر. أليس لله في خلقه شؤون؟ كما يقال.

Comments are disabled