تجربة النشرة – اللعب بالنار

توالت الاشتراكات بـ”النشرة”، وبدا اهتمام الحكومات بها يوازي اهتمامات المعارضة في مختلف البلاد، وظهرت مهارة المرحوم ميشيل النمري في استفزاز الحكومات، وبدا الأمر كسلاح ذي حدين. على سبيل المثال، كان ميشيل في اليمن، فهتف لي من هناك يطلب مني نشر خبر مفاده أن “المملكة العربية السعودية” وافقت على نشر صواريخ بيرشينغ ذات الرؤوس النووية، الأميركية، على أراضيها. فأخذت الخبر وصغته ونشرته في العدد الذي نحضِّره، وهو على أعتاب المطبعة، وصدر العدد.

تناقلت وكالات الأنباء العالمية (رويترز، أسوشيتدبرس.. إلخ) الخبر نقلاً عن “النشرة”، وبلغت المجلة من الشهرة ما بلغته. لكن “السعودية” سارعت إلى نفي الخبر جملة وتفصيلاً، وأصدرت الخارجية السعودية، على ما أذكر، تكذيباً رسمياً، واستشاط غضب “المملكة” على “النشرة”، وأبلغونا إلغاء اشتراكاتهم في المجلة.

مثال آخر على طريقة عمل ميشيل، فقد نشر خبراً مفاده أن إحدى المنظمات الفدائية الفلسطينية أبلغته (أقصد أبلغت النشرة) عن وجود أسير يهودي من الكيان الغاصب لديها، لم تعلن عنه. وانهالت الهواتف على المجلة من الكيان العدو، خاصة من المحامين الصهاينة، يطلبون – إنسانياً – معرفة اسم الأسير، والمنظمة التي تحتجزه، ولا أدري كيف انتهت القصة، لأنني لم أتابعها.

في حقيقة الأمر كان اهتمامي منصبّاً على “المعارضة العراقية”، وكنت أقوم بـ”أرشفة” المنظمات العراقية المعارضة، باحثاً عن “برامجها”، وأهدافها، والملفت في الأمر “كثرة عددها”، حتى تجاوزت الأربعين منظمة. حاولت أن أعرف ماذا تريد كل منظمة؟ وما هي قدرتها على تحقيق ما تريد؟ وخرجت بنتيجة، رسّختها السنوات التي تلت، وهي الصراع على الكرسي، كل زعيم يريد أن يزيح الرئيس الراحل صدام حسين رحمه الله، ليجلس مكانه، وليس لدى أي منظمة أي برنامج وطني واضح، وهذا ما أثبتته، وتثبته حتى اليوم، الأحداث المأساوية في العراق العزيز.

كان القلب يتفطر ألماً وحزناً من الوضع بين سورية والعراق، ولو استمر “التصالح” الذي حدث عام 1979 ولم يدم، لما كانت الحرب على إيران، استناداً إلى حكمة الرئيس حافظ الأسد رحمه الله، وما يفترض من قوة تأثيره على المرحوم صدام حسين في ذلك الزمن، بعد أن تسلّم صدام الحكم من المرحوم أحمد حسن البكر، وبعد أن قامت الثورة الإيرانية العظيمة.

كانت الأحلام الوطنية تصطدم بالواقع المرير: من يستطيع أن يتحدى حلفاً يتكون من إيران والعراق وسورية، ولبنان بالطبع؟ أية قوة على وجه الأرض تستطيع أن تفكر، مجرد تفكير، بالاعتداء على هذه القوة الضاربة؟ عسكرياً، واقتصادياً! لكن الواقع كان شيئاً آخر، للأسف الشديد، بأيدٍ عربية، ومال عربي، وإذعان عربي لأوامر أميركية صهيونية، أوصلتنا إلى ما نحن فيه، ولا نزال!

كمراقب في قلب المعمعة، أستطيع القول: لم يكن الشريكان “عون وميشيل” متطابقَي التوجُّه، سامحني قارئي العزيز بالكف عن الكلام، فتوقفت النشرة عن الصدور، وكانت تجربة غنية بالنسبة لي على المستوى المهني.

Comments are disabled