يوم اغتيال حنا مقبل

كان حنا مقبل نقيب الصحفيين العرب، ولديه وكالة القدس برس، لم تكن تربطني به صداقة قوية، بل معرفة، وكان أمجد ناصر قد عرّفني به، إذ كان يعمل معه، وكان أمجد يذكره كثيراً، ومن الواضح أن علاقة صداقة قوية تربطه له.

في صباح أحد الأيام، حملت لنا الأخبار نبأ اغتيال النقيب، وحسب ما سمعت من الأصدقاء، لم يكن مكان الاغتيال يبعد سوى حوالى مئة متر عن بيتي. خرجنا من البيت نحاول معرفة ما حدث من جهة رسمية، وانتظرنا جلاء الحقيقة في مكتب الجريدة، وكان التأكيد رسمياً على أن الشهيد قضى اغتيالاً، والشرطة تحقق في الجريمة.

حين عدنا بعد الظهر إلى البيت، فوجئت بجيراني القبارصة في البناية التي أسكنها، يترقبون عودتي، وما إن دخلت باب البناية، حتى توافدوا يهنئونني بالسلامة، فقد اعتقدوا أنني القتيل، لكنهم ليسوا متأكدين، فقد استمعوا إلى الخبر، ويبدو أنهم اعتقدوا بأنني القتيل لقرب مكان الحادث من البيت، ولعدم معرفتهم باسمي.

في اليوم التالي نشرت الصحف، ومنها جريدتنا “اللقاء”، صورة للقاتل كما تخيلها أحد الرسامين، وعممت الصورة.

والطريف في الأمر، أننا نزلنا في اليوم التالي، وفي حوالى الحادية عشرة ليلاً، أنا وزوجتي، وذهبنا سيراً على الأقدام نحو مكتب الجريدة القريب نسبياً، لتسليم مواد للنشر، وليل نيقوسيا جميل في الصيف، إذ كنا نمر على بعض الأصدقاء ليلاً ونحن عائدَيْن، ولا نصل البيت قبل الثالثة فجراً.

ونحن على الطريق باتجاه مكتب الجريدة، شاهدنا شاباً يشبه الصورة التي عُمِّمت للقاتل، همست لفاتن: انظري.. ألا يشبه هذا الشاب الصورة التي نُشرت لقاتل الأستاذ حنا؟ نظرت زوجتي وأجابتني: إنه صورة طبق الأصل عنها.

كنا نسير قريبَين جداً من الشاب، وهو خلفنا بخطوات قليلة، وكلما اتجهنا يميناً أو يساراً يتجه مثلنا، حتى وصلنا البناية حيث مكتب الجريدة ودخلنا بابها، فدخل، ودخلنا المصعد فدخل معنا، سألته: إلى أين، فأجابني بلغة عربية: إلى الجريدة.

فعلاً وصل المصعد إلى مكتب الجريدة، ودخلنا المكتب، فسألت عن هذا الشاب، فأجِبت بأنه يعمل في الجريدة، قلت: انظروا إليه، ألا يشبه قاتل الأستاذ حنا؟ ضحك الزملاء ونادوا عليه، وأخبروه بما كنا نتحدث به، وضحكنا جميعاً.

وكغيرها من الجرائم، طوِيت الجريمة، ولم نعد نسمع شيئاً عنها، لقد تعلمنا أن القاتل لا ينتصر عليه إلا قاتل أشد بأساً منه، وأن قاعدة (القانون لا يحمي المغفل)، مع أن المغفل هو الذي يحتاج لحماية القانون، تنسحب على كل شيء، حتى على القاتل والضحية.

رحم الله حنا مقبل، وكل شهداء الكلمة والرأي..

Comments are disabled