كيف تعرفت بحسين حمزة؟

في العام 1979، كان نجم الشاعر حسين حمزة ساطعاً، وله برنامج في الإذاعة السورية، يلقي خلاله أشعاره الشعبية الجميلة، وكنت معجباً بشعره وصوته المميز، كغيري من الناس.
كنت أدعو تلك الفترة من 1979 حتى 1981 مرحلة (الفَلَتان) بالنسبة لي، يخالفني الأهل في ذلك، ويحتجّون، لكنها الحقيقة. فقد تحررت من كل مَن حولي، وعشت كما أريد، لا أحد يدري أين أنا، مع أنني كنت أعيش في دمشق، لكنني لا أريد أن أسمع أخبار أحد على الإطلاق، خاصة من تجمعني بهم صلة القربي.
في تلك الفترة أيضاً تحولتُ من العمل كمهندس زراعي إلى كاتب ومترجم بشكل نهائي، وقد شهد النصف الأول من العام 1979 آخر أعمالي الزراعية في تصنيع البيوت الزراعية، وسحرتني الأعمال الكتابية فاحترفتها في النصف الثاني من ذلك العام، حتى انتقلت في العام 1981 إلى مهنة الترجمة والنشر وتوزيع الكتاب، وامتد المشوار حتى اللحظة.
ذات يوم، وأنا عائد من ورشة العمل مساء، أدرت راديو السيارة، فاستمعت إلى صوت حسين حمزة، يلقي قصيدة شعبية، مازلت أحفظ مطلعا:
وين أخبّي الشوق منّك.. وانْتَ شوقي..
ومين ياخد حقي منّك؟
بالطبع كان يلقيها باللهجة البدوية، ويلفظ الحرف (ق) كما نلفظ الحرف (g) معطَّشاً بالإنكليزية.
أحببت القصيدة كثيراً، وما إن ذهبت إلى بيتي (في الشعلان)، وبدّلت ملابسي، حتى اتجهت نحو اللاتيرنا، وما كان أجمل أيامها.
هناك كنت ألتقي الجو الساحر، الأدب والفن والثقافة، وكان حسين حمزة من مرتاديها، لكن لم تكن لي علاقة أو معرفة مباشرة به. وفي ذلك اليوم، حين التقيت الأصدقاء الذين سبقوني، وجدتهم يجلسون إلى طاولة مجاورة للطاولة التي يجلس إليها حسين، وما إن جلست حتى التقت عيني بعينه فبدأ السلام، فبادلته التحية..
لحظات ودار حديث بيني وبينه، دعاني مع الأصدقاء للجلوس إلى طاولته، فقررنا لصق الطاولتين إلى بعضهما، بسبب كثرة العدد، وتم التعارف، فنادى حسين المضِّيف (نوّاف رحمه الله)، وطلب الشامبانيا ليفتحها على شرف تعارفنا، وفارت الزجاجة إلى السقف، فكان تعارفاً احتفالياً.
قلت له: قبل أقل من ساعة كنت أستمع إليك من الراديو، وتلوت له مطلع القصيدة، فأكملها بصوته الساحر المتميز. وكانت سهرة لا تُنسى، راحت تتكرر يومياً، وفي كل يوم يزداد واحدنا التعرف إلى الآخر.
جمعتني بحسين حمزة صداقة لا تزال مستمرة، وتعرفت بالكثير من أصدقائه، وتعرّف بالكثير من أصدقائي، لذلك كنت أقلِّص من العمل الزراعي، وأزداد التصاقاً بالعمل الأدبي والفني، حتى انتقلت بشكل نهائي إلى الكتابة، مبتدئاً بجريدة الثورة، وملحقها العلمي “الأحد”، حتى توقف عن الصدور.
كنا مجموعة ساحرة من الشباب، كل منا يتخذ قراره دون اللجوء لأحد، ودون مسؤوليات مقيِّدة، كان لدى حسين ولد واحد (أصبح الدكتور فادي)، أرسله إلى الخارج للدراسة، كما كانت زوجته (أم فادي) تسافر كثيراً إلى البلد، وكنت قد تحررت من قصة أسرتْني ثلاث سنوات، وتركت لدي ذكريات رائعة خلال الأيام الصعبة، أحتفظ بها لنفسي، وما تبقى من (الشلة) كلهم عازبون. لذلك كنا نقرر السفر حيث نشاء، وما تبقى من أيام نمضيها في دمشق، في اللاتيرنا حتى ما يقرب من الساعة الحادية عشرة ليلاً، ثم نذهب في أغلب الأوقات إلى الطابق الحادي عشر من فندق (الفاندوم)، وإذا وجدنا أنفسنا مرتاحين نكمل السهرة حتى الصباح في (الميريديان) لنعود، إما كل إلى بيته في السادسة صباحاً، أو إلى بيت حسين حمزة الواسع، ليستقل كل منا غرفة، وننام حتى الثانية من بعد الظهر، لنعيد الكرّة في اليوم التالي.
تسألني كيف كنا نعيش، ومن أين نأتي بالمال؟ تابع القصص إذا أحببت.

Comments are disabled