حماك الله يا أجمل زينات الوطن…

كان يوم الخامس والعشرين من أيار (مايو) 2000 يوماً تاريخياً، إذ بدأ عصر الانتصارات وولى عصر الهزائم منذ ذلك التاريخ. لبنان، البلد العربي الصغير، المجتزأ من عمقه السوري والعربي يحقق أول انتصار حقيقي على الكيان اليهودي الغاصب، على الرغم من كل ما رافق الاحتلال من دعم، سواء من الخونة مثل جيش لحد، وعصابة القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع، أم من “المتعاونين” بحجة لقمة العيش.

تداعينا في غرفة زراعة دمشق “لجنة النحالين” للذهاب إلى ذلك الجزء العزيز من وطننا، لنبارك لأهلنا بالنصر العظيم، وكان للصديق العزيز محمد سعيد العطار الدور الأبرز في هذه التظاهرة الوطنية، لا بد من الاعتراف له بها، وذكره للأمانة.

خرجنا في ذلك الصباح الباكر، حوالى الخمسين من النحالين والمهندسين والمهتمين بالثروة النحلية، ونحن على علاقة صداقة وعمل مع إخوتنا النحالين اللبنانيين، إذ كنت أصدر لهم مجلة “مملكة النحل”، بعد توقف مجلة “النحال العربي” التي أصدرتها قبلها. وما إن دخلنا الأراضي اللبنانية حتى اتجهنا نحو الجنوب.

استقبلنا الإخوة في حزب الله، ورافقونا طوال اليوم، وحين كنا نتوقف على الطريق، في المناطق التي شهدت البطولات التي أدت إلى هزيمة العدو اليهودي المحتل، كان الأعزاء يشرحون لنا ما حدث، في “درس عملي” على الطبيعة، لكنهم كانوا يحذِّروننا من الخروج عن الطريق المعبَّد والدخول، ولو خطوات، إلى داخل الأراضي، بسبب وجود ألغام لم تنفجر بعد، حفاظاً على سلامتنا.

صعدنا عالياً إلى معتقل الخيام، لم يكن مضى على اندحار العدو منه سوى أيام قليلة، لا يمكن قياسها بالأسابيع، ودخلنا الزنزانات الانفرادية، وشاهدنا وسائل التعذيب، يرافقنا رجال من المقاومة، كانوا معتقلين هناك، يشرحون لنا ما كان يحدث لهم خلال اعتقالهم. بعد ذلك اتجهنا إلى بوابة فاطمة، أصبحنا على “الحدود” مباشرة مع الجزء المحتل من الوطن، يفصلنا عنه شريط مرتفع، يقع في الطرف الآخر منه طريق تمر عبره الدوريات العسكرية لجيش الاحتلال، بينما كانت المسجِّلات تنطلق بأصواتها المرتفعة من جانبنا، تتحدى العدو وتمجِّد المقاومة ورموزها وقادتها.

المشهد الملفت كان حين تمر الدورية العسكرية للعدو، في السيارات المصفحة، والمجهزة بشبك فولاذي، على الطريق من الجزء المحتل. كانت سيارة الدورية تتوقف بعيداً للحظات، ثم تنطلق مسرعةً جداً، لينهال عليها وابل من الحجارة من طرفنا، وحين تعود تكرر العمل نفسه.

كانت على الطرف الآخر من الطريق في الجانب المحتل حواجز إسمنتية شبيهة بالجدار العنصري من حيث الارتفاع، يختبئ خلفها جنود العدو، خوفاً من الحجارة، وعلى مرمى حجر، مسافةٍ تقدَّر بالأمتار، تقع مستوطنة “المطلة” على منحدر باتجاهنا، كنا نرى بين الحين والآخر شخصاً ما يمر في أحد الشوارع، لكن الجو العام يوحي بأنها خالية من السكان.

بعد ذلك غادرنا المكان لتلبية دعوة الإخوة في حزب الله على الغداء، وعلى الطريق نحو المطعم، سرنا بالبولمان الذي كنا نستقلّه بمحاذاة الحدود لمسافة طويلة، نملأ الأعين والقلوب من فلسطين المحتلة، ونلمح بعض المزارعين اليهود يعملون في الأراضي التي اغتصبوها.

استحضرت اليوم العزيزة زينة فياض كل هذه الذكريات في برنامجها الأسبوعي “إلى أين”، في الحلقة التي قدمتها من معتقل الخيام، احتفاء بعيد تحرير الأسرى الأبطال، أحياءً وشهداء، وما كان أجملها وهي تلتف بالكوفية الفلسطينية، وما كان أسعد تلك الكوفية وهي تحتضن هذه المناضلة الإعلامية العنيدة، بما ترمز إليه. حماك الله يا أجمل زينات الوطن…

Comments are disabled