البيتُ العتيق.. وذكريات الطرفاء
بينَ عُنْـدي واشتدادِ النائباتِ | |
ذاب عُمْري في أتون الذِّكرياتِ | |
شـدَّني شَـوقٌ بهِ مـسُّ جُنـونٍ | |
ورماني في السـِّنينَ الخالياتِ | |
يومَ كانـتْ، وأنـا طفلٌ صغيـرٌ، | |
شجْرةُ الطَّرْفاءِ جزءاً من حياتي | |
هيَ عرشـي، وأنـا فيهـا أميرٌ | |
وعليـها أزَلٌ مـن بصمـاتي | |
قد زُرِعنـا أنـا والطرفاءَ يوماً | |
وكبرنــا بدُعـاء ٍٍ وصـلاةِ | |
وترعرعنـا سَـوِياً فإذا غِبـْـ | |
تُ تناديني برمـشٍ والْتفـاتِ | |
هيَ حبّي، بعدَ أمي، غيـرَ أنّي | |
لم أعِشْ منها الليالي الحالِكاتِ | |
وتغيَّرنـا مـع الأيـامِ حتـى | |
ضـاقَ بيتٌ عنْ شـبابٍ وبناتِ | |
فتركنـا البيتَ في يومٍ وسـرنا | |
وتركنـاهـا لِـرَبِّ الكائنـاتِ | |
هوَ يرعاها ومَنْ يرعــاهُ ربٌ | |
حســبُهُ منه قضـاءُ الرَّغباتِ | |
أغدقَ النُّعمى علينـا غيرَ أنّـا | |
ما احتملْنـا كلَّ تلك النُّعمياتِ | |
شــُحَّتِ الحكمةُ فينا وافترقنا | |
وغَدَوْنــا كقطيـعٍ في فـلاةِ | |
كلُّ فرْدٍ هام في الأرضِ اغتراباً | |
وتبعْثرْنـا على كـلِّ الجِهـاتِ | |
وتداعتْ عُمُدُ الأسْــرةِ حتى | |
أثقلَتْنــا بتوالــي الأزمـاتِ | |
ما بَرِحْنا نُشعِلُ الفِتنـةَ فينـا | |
ونُغذّيهــا بشــتّى التُرَّهـاتِ | |
كلُّ أفّـاكٍ لديـهِ أخـتُ إفْكٍ | |
هي أحـرى بِسِـلال المهملاتِ | |
نشتريها منـهُ مهمـا كلَّفتنا | |
فهْـيَ خامٌ لافْتعـالِ المشكلاتِ | |
واحتوانـا قدَرٌ أَعمَـلَ فينـا | |
كَتَمادي خنجـرٍ في لـحْمِ شـاةِ | |
* * * | |
شجْرةُ الطَّرفاءِ تدعوني إليها | |
وتنادينـي نـداءَ الظـامِئـاتِ | |
أتُراهـا شـدَّها شــوقٌ قديـمٌ | |
أم تُرى تشتاقُ بعضَ الأغنياتِ | |
حينَمـا هبَّت عليها ذاتَ يــومٍ | |
نسـمةٌ فيهـا اعْتِلالُ الباكياتِ | |
وهَوَتْ فأسٌ على جـذعٍ فتيٍّ | |
فتَسَجَّتْ فوق أرضِ المعجزاتِ | |
وتحـدَّتْ صَلَـفَ الجـلاّدِ لمّـا | |
أنبَتَتْ فرعاً له ذاتُ الصِّفـاتِ | |
فارعُ الطّولِ كرايات التَّحــدّي | |
يتعالـى بِزُهُــوٍّ وثَبــاتِ | |
وتوالـتْ حادِثـاتٌ، غيـرَ أنّي | |
مُعرِضٌ عن ذِكْرِ كلِّ الحادثاتِ | |
حيثُ أُمضي ما تبقّى من حياتي | |
بيـنَ أوراقي وحـزني ودواتي |
طرابلس الغرب شباط/ فبراير 1976 دريد نوايا