الصباريات والعصاريات

النباتات العصارية نباتات تحوَّرت أجزاء منها لتخزين الماء، واختُصرت الأوراق لتصبح إبرية أو أثرية للتقليل من فقدان الماء عن طريق عملية النتح بواسطة المسام.

اشتقت كلمة عصاريات Succulents من الكلمة اللاتينية Succus وتعني “عصيراً”. وهكذا فإن الصفة المشتركة بين هذه النباتات هي صفة العصارية، وتعتبر من وجهة النظر النباتية صفة شكلية، لا يُعتَمَد عليها في تحديد القرابة بين هذه النباتات. وبناءً على ذلك، فإن النباتات العصارية تنتمي، من حيث القرابة، إلى فصائل نباتية (كالزنبقية والنرجسية والمركبة)، تضم نباتات أخرى غير عصارية.

لكن الفصيلة الصبارية Cactaceae تضم نباتات صبارية فقط. فما هي العلاقة بين العصاريات والصباريات؟

جميع النباتات الصبارية عصارية، لكن العكس غير صحيح، ولتمييز النبات الصباري في مجموعة النباتات العصارية، نحاول الإجابة عن السؤالين التاليين:

  • هل للنبات أشواك أو أشعار قاسية؟
  • إذا كانت الإجابة نعم، هل هذه الأشواك مرتّبة بشكل هالة، في وسطها شوكة مركزية، وحولها منطقة جرداء من الأشعار والأشواك؟

إذا كانت الإجابة أيضاً نعم فالنبات صباري، وإذا كانت لا فإن النبات العصاري غير صباري.

تضم الفصيلة الصبارية ثلاث تحت فصائل، تشتمل جميعاً على حوالى 220 جنساً، يصنَّف تحتها ما يقرب من عشرة آلاف نوع وصنف.

ما هو الموطن الأصلي للصباريات؟

جميع النباتات الصبارية جاءت من القارة الأميركية. أما ما وُجِد منها خارج هذه القارة، بشكل رئيسي جنوب أوروبا والشرق الأدنى، فقد نقله إما الإنسان أو الطير، وذلك بسبب قدرة بذور بعضها على الالتصاق. وتزرع الصباريات كمحصول اقتصادي (تين الصبار) في الكثير من بلدان العالم.

تنتشر النباتات الصبارية في المناطق الحارة والجافة من أميركا، وينتشر بعضها في المناطق الباردة والوعرة، لكنها تكثر في شمال المناطق الحارة وجنوبها، ويكثر وجودها في المكسيك وجنوب الولايات المتحدة، وتعطي تلك المناطق مظاهر مميزة.

هواة تربية الصباريات:

هناك فريقان من الهواة: فريق يجمع أنواعاً من الصباريات عن طريق الشراء والمبادلة وغير ذلك، والفريق الثاني يقوم بإكثارها وتربيتها. والفريقان يحتاجان للمعرفة، بهدف توفير الظروف الملائمة لنموها.

متطلبات نمو الصباريات والعصاريات:

صحيح أن هذه النباتات خضعت لكفاح مرير من أجل البقاء، إذ كانت نباتات عادية، لكنها تعرضت لظروف قاسية من الجفاف والحرارة، قاومتها بتحوير بعض أجزائها لتخزين الماء، وتقليل النتح، فتمكنت من العيش في حين هلك غيرها.

لكن هذا لا يعني أبداً أن هذه النباتات ليست بحاجة إلى العناية، وليست لها متطلبات، لتكون في أفضل حال. فالعناية بالصباريات والعصاريات يعني ازدهار نموها.

تستطيع هذه النباتات العيش في أي مكان، داخل البيت وخارجه، وفي الأصص وفي الحديقة، وبين الصخور، وتحت الأشجار، وتحت أشعة الشمس المباشرة. وفي البيت يمكن أن تُزرع في صحن أو سلة معلَّقة أو حديقة نافذية، أو أصيص بلاستيكي أو فخاري.

الأوعية والتربة: كان مربو الصباريات يزرعون نباتاتهم في تربة فقيرة بالمواد العضوية (الدبال)، وفي مزيج من الرمل، ويستخدمون الأوعية الفخارية النفوذة، ويتجنبون إضافة الأسمدة لها، لكنهم أصبحوا يستخدمون الأوعية البلاستيكية والمعدنية، ويستخدمون المحاليل المائية على نطاق واسع، مع إضافة المعذيات من حين لآخر لها، كما أصبحوا يزرعون نباتاتهم في (بيتموس) خاص بالصباريات، يحتفظ بالرطوبة في الطبقة السفلى.

حموضة التربة: يجب أن تكون حموضة التربة حيادية إلى حامضية (pH = 5.5 – 6.5)، إذ أن العمليات الفيزيولوجية للنباتات تتم في مجال يتراوح بين 7 و4 مقدرة كرقم pH، علماً بأن أغلب الأراضي السورية قلوية، وهذا ما يدل على قدرة تحمل الصبار للتأثير القلوي في التربة.

الري: يجب ري النباتات العصارية والصبارية بماء حيادي أو حامضي، ويمكن معرفة تأثير الماء باستخدام ورقة عباد الشمس التي تكون زرقاء في الوسط القاعدي، وبنفسجية في الوسط الحامضي.

والطريقة الصحيحة للري مرهونة بفصول السنة وحالة النبات، إذ يجب عدم ريه قبل خروجه من سكونه الشتوي، وذلك حتى مشاهدة نمواته الجديدة في الربيع، مع قدوم الدفء والضوء، وعندئذ يروى بكميات كبيرة من الماء، وعلى فترات متباعدة، أي حتى تجف الطبقة السفلى من التربة تماماً. وإذا توقف نمو النباتات الصبارية في الصيف بسبب زيادة الحرارة، فإن الري يساعد على عودة النمو واختصار فترة السكون الموقت التي يخضع لها.

في الخريف يحدث ما نسميه النمو الخريفي، ويحتاج النبات خلاله إلى الماء بسخاء، ومن المفضل اختبار حموضة ماء الري، وتصحيحها إذا اقتضى الأمر. ولدى هبوط درجة الحرارة يخفف الري حتى دخول الشتاء، عندئذ يوقف الري بشكل كامل، ولا يهم إذا لوحظ أن النبات ذبل قليلاً.

الإضاءة: ضوء الشمس عنصر أساسي لنمو الصباريات، فبعد طور السكون الشتوي، يجب أقلمة النباتات لتحمّل أشعة شمس الربيع القوية. لكن بعض الأنواع يفضّل بعض الظل حتى في الصيف، مع أن معظم الأنواع ذات الأصل الأميركي الشمالي تستطيع تحمل أشعة الشمس القوية والحرارة المرتفعة، فالشمس ليست مصدراً للضوء فحسب، وإنما مصدر للحرارة أيضاً، إذ تتطلب أغلب النباتات كميات كبيرة منهما، وهذا ما يتوفر في مناطقنا العربية، وهو السبب الذي يجعلنا نضع هذه النباتات تحت غطاء نافذ أكثر من الزجاج لأشعة الشمس.

إكثار الصباريات بالبذرة:

يتطلب إكثار الصباريات ابتداءً من البذور صبراً وأناةً، وهذا ما يجعل الكثير من الهواة يحجمون عن الإكثار بهذه الطريقة، ويفضلون عنها الطرق الخضرية، مع أن انتظار البذرة، ورعايتها ومراقبتها نوع من المتعة، والممارسة العملية التي يقوم بها المربي بنفسه تُكسبه الخبرة والمعرفة التي لا يستطيع أي كتاب أن يعطيه إياها.

أفضل وقت للإكثار بالبذرة هو أواخر الربيع وأوائل الصيف، حين تكون درجة الحرارة عالية نسبياً، ولا يكون هناك احتمال لعودة البرد الربيعي. ولكن، حين يمكن توفير الحرارة والضوء الاصطناعيين، يمكن أن نزرع البذور في أي وقت من السنة.

تحتاج زراعة البذور إلى مجال حراري بين 20 و30 درجة مئوية، وإلى الضوء والرطوبة، وهي المتطلبات الرئيسية. تُزرع البذور في تربة رملية فقيرة، وفي صحن يفضل أن يكون شفافاً، أو في وعاء أكبر مقسَّم إلى أقسام، ثم تغطّى بلوح زجاجي لحفظ الحرارة والرطوبة، وذلك بعد الري باستخدام بخّاخ، وكذلك بعد تغطية البذور بطبقة من التربة تعادل ضعف قطر البذرة، ومن المفضل أن تكون الأدوات المستعملة مع الأوعية معقّمة بالبخار أو بالغليان.

يجب الحرص من جفاف البادرات، نظراً لحساسيتها الشديدة له، لذلك كان الغطاء الزجاجي ضرورياً، إضافة إلى أن النباتات غير المغطاة تكون عرضة للإصابة بالفطريات والطفيليات الأخرى التي يصعب القضاء عليها في مثل هذه الظروف، لذلك كان من الضروري تنمية البادرات ثم نقلها أو تطعيمها، أسرع من تلك التي تُشتَرى عادةً في وعاء مُحكَم الإغلاق.

إذا لم يكن هناك سبب، من المفضَّل أن تبقى البادرات في مكان إنباتها حتى تكبر وتبدأ بالازدحام. عندئذ يمكن نقلها إلى أصص باستخدام طرف شوكة أو قطعة من الخشب، بحرص شديد لأنها تكون مرهفة. كما يجب إضافة بعض الماء إلى تربتها قبل قلعها تسهيلاً للعملية، كذلك يجب حماية البادرات المنقولة حديثاً من أشعة الشمس المباشرة، وعدم ريّها مباشرة، وإذا جُرحت أو كُسِرت، من المفضل عدم الري حتى تلتئم الجروح والكسور وتجف، عندئذ تُروى بسخاء لمرة واحدة، ويطبق عليها نظام الري الذي ذكرناه.

التكاثر بالأخلاف والعُقَل:

يمكن إكثار الصباريات إما بالخلوف التي تظهر عليها، أو بالقَطع، خاصة قطع القمم. إن الأنواع الطويلة من الصباريات أنواع مناسبة لهذه الطريقة، بسبب سهولة تقطيعها، وجميع القِطع عادة تعطي جذوراً دون صعوبة، وتكوِّن نباتات قائمة بذاتها.

بالإكثار الخضري نحصل على نفس النبات الذي أُخِذ منه لأنه يحتوي على نفس البرنامج الوراثي، إضافة إلى أن الإكثار بهذه الطريقة يعطي نباتات كبيرة خلال مدة قصيرة نسبياً، مقارنة مع زراعة البذور، وهي طريقة منتشرة بين مربي الصباريات، الذين لا يرغبون باستنباط أصناف جديدة بأعداد كبيرة. من ناحية ثانية، يحمل الإكثار الخضري خطر حدوث الأمراض الفيروسية، لأنه عرضة لها، وهذا ما يؤدي إلى تحلل النباتات بعد فترة من الزمن.

وكما في زراعة البذور، إن أفضل وقت لإجراء التكاثر الخضري والتطعيم هو فترة النمو، خاصة في بداية الصيف، ويتطلب أن تكون درجة الحرارة مناسبة، والبيئة جافة لتجف الجروح وسطوح القطع، ولكي يسهل نمو الجذور، كما يحتاج النبات إلى التربة الرطبة.

يجب ألا تكون الخلوف والعُقَل صغيرة جداً لكي تتمكن من تكوين الجذور. وبعض الأنواع يعطي خلوفاً مجذّرة حتى وهي على أمها. إن نبات تين الصبار والأنواع التابعة للجنس الذي ينتمي إليه Opuntia قادر على إعطاء نبات من أي جزء من الساق، وفي أي تربة. كما لا يعطي بعض الصباريات الجذور حتى يجف سطح القطع، وهذا ما ما يستغرق أياماً أو حتى أسابيع. إن تلك النباتات التي تظهر جذورها في الهواء قبل قطعها يمكن أن تعطي جذوراً حقيقية خلال ساعات أو أيام قليلة من وضعها في تربة مناسبة.

تطعيم الصباريات:

يستخدم التطعيم بشكل رئيسي لتسريع النمو، خصوصاً في حال البادرات المزروعة من البذور للأنواع الرهيفة، كما نستطيع بالتطعيم إنقاذ الأجزاء السليمة من النباتات الجديدة أيضاً، وهكذا تصبح النباتات الصعبة سهلة النمو والخدمة إذا طُعِّمت.

من ناحية ثانية، يجب عدم استعمال التطعيم حين يمكن للنبات أن يكون على أحسن حال، ولا تكون هناك ضرورة ما له، إضافة إلى أن بعض الصباريات تُحرم من بعض صفاتها بالتطعيم، من حيث الطول مثلاً، فيزداد طولها على حساب الميزات الأخرى، هذا مع أن التطعيم يقوّي النمو، وإن النماذج المطعَّمة تعطي نمواً مبكراً وإزهاراً غزيراً.

تعتبر الأنواع التابعة للجنس Cereus، والجنس Echnopsis أفضل الأصول لأغلب الصباريات، وأفضل وقت لإجراء التطعيم هو الربيع وبداية الصبف، كما يمكن للنباتات الصبارية، خصوصاً البادرات منها أن تطعَّم في أي وقت تحت مصباح مناسب. والحرارة العالية أساسية لاتحاد الطعم مع الأصل، باستثناء التطعيم على أنواع الجنس Eriocereus الذي يتحول أحياناً إلى اللون الأسود عندما ترتفع درجة الحرارة إلى الدرجة 20 – 25 مئوية.

أكثر طرق التطعيم انتشاراً هي طريقة القطع الأفقي لكل من الطعم والأصل، إذ يمكن للحزم الوعائية أن تتوافق مع بعضها، ويربط الطعم إلى الأصل بأي رباط مطاطي فيلتحمان خلال فترة عدة ساعات إلى عدة أيام، ويستغرق الطعم الذي يكون بحجم حبة البازلاء ساعات، والطعم بحجم حبة الكرز إلى حجم التفاحة عدة أيام. كما يمكن تطعيم نباتات أكبر من ذلك، لكنك تحتاج إلى رباط أقوى، وتطول مدة الالتحام أكثر. وفي كل الأحوال يجب أن يكون قُطرا الطعم والأصل قريبين من بعضهما في الحجم.

المهندس دريد نوايا

(نشر في نشرة معرض الزهور – دمشق 2008)

Comments are disabled