الوردة.. ملكة الأزهار

تاريخ الورد طاعن في القدم، فقد وجدت أحافيره التي تعود إلى ما يزيد عن ثلاثين مليون عام مضت. وقد ورد ذكره في الحضارات القديمة للفرس واليونانيين والرومان والسوريين والبابليين والمصريين والفينيقيين، الذين زرعوا الورد، واستخدموه في احتفالاتهم، وشرابهم، كما ذكر هوميروس الورد في الإلياذة والأوديسة، وفي أعمال أدبية كثيرة أخرى.

ارتبط اسم الورد بآلهة الجمال فينوس، وآلهة الخصب أفروديت، وشبّه الشعراء حبيباتهم وملهماتهم بالورد:

يا مَن كتبْتُكِ وردةً بحدائقي   فأبى عليَّ الوردُ أن يتضوَّعا

لو هذه الكلماتُ ألقتْ ظلَّها     يوماً على جبلٍ لكان تصدَّعا

لم يقتصر الورد على كونه رمزاً للحب، فقد كان رمزاً للحرب أيضاً. ففي الحروب البريطانية التي وقعت بين عامي 1455 و1485 اتخذت الوردة الحمراء Rosa gallica رمزاً لـ هاوس أوف لانكاستر، بينما اتخذت الوردة البيضاء Rosa alba رمزا لـ هاوس أوف يورك ، لكن المتحاربين اتحدا في زفاف هنري تيودور وإليزابيث من يورك، واتحدت الوردتان الحمراء والبيضاء لتشكل وردة تيودور ذات اللونين ولازالت رمزاً ملكياً حتى اليوم.ً

تختلف ألوان الورد وتتنوع إلى حد يصعب إحصاؤه، حسب أصنافه، وقد رمز كل لون إلى معنى معين، ربما اختلف باخنلاف الشعوب وثقافاتها، وربما كان اللون الأبيض يرمز إلى الطهارة، والأحمر يرمز إلى الحب، والأصفر إلى الغيرة، لدى أغلب الشعوب.

بقي أن نقول إن الكثير من الناس يطلقون اسم الوردة على أي نبات زينة، وهذا خطأ شائع لدى العامة، فكل وردة زهرة، لكن العكس غير صحيح. والكثير من الناس، حتى الشعراء والكتّاب يخطئون في جمع كلمة “وردة”، فيعتبرونه وروداً، لكن الصحيح أن الوردة تُجمع على “ورد”، و”أوراد”، وليس وروداً.

كيف نحصل على أصناف الورد؟

لا يتم الحصول على أصناف الورد الجديدة إلا عن طريق التكاثر الجنسي، أي عن طريق البذور، والوردة خنثى، تحتوي على الأعضاء المذكرة ( المنتجة للطلع) والأعضاء المؤنثة (الميسم)، لكن التلقيح يحدث ذاتياً، أي من نفس الزهرة، أو خلطياً، أي من وردتين مختلفتين، عن طريق الرياح أو الحشرات، وهذا ما يحدث في الطبيعة بسهولة، وينتج عنه تشكل الثمار التي نجدها مكان الأزهار القديمة في الخريف، والتي تحتوي أيضاً على البذور.

إذا زرعت البذور نحصل على نباتات لا تشبه النبات الأم الذي أخذت هذه البذور منه، ولا تأتي الأصناف الجديدة إلا نتيجة الصدفة، يختار المربي من هذه النباتات ما يعجبه، ويستبعد ما لا يعجبه.

تحتاج الزهرة الملقحة إلى أربعة أشهر لتنضج، وتتشكل فيها البذور، وتكتمل عند سقوط البرد، وهكذا فإن أزهار الربيع هي الأزهار التي اكتمل تشكلها في الخريف الذي سبقه، حين يصبح لون الثمرة برتقالياً أو أصفر أو بنياً، عندئذ تكون الثمرة جاهزة للقطف.

في المناطق الأبرد، التي يسقط فيها البرد مبكراً كالمرتفعات، يمكن تغطية الثمار حتى الربيع القادم بالنايلون. أما إذا كان الشتاء معتدلاً، فوق درجة التجمد، فإن ارتفاع الرطوبة يحسن من ظروف الإنبات.

تُحفظ الثمار شتاءً في أكياس بلاستيكية بعيداً عن القوارض، وذلك حتى كانون الأول إلى منتصف كانون الثاني، إذ تكون قد أتمّت نضجها، يمكنك إخراج البذور من الأكياس لدى زرعها، لكنك ستجدها متفاوتة في الشكل والحجم. ولكي تضمن نسبة إنبات عالية، ضع هذه البذور في وعاء من الماء، واستبعد البذور الطافية، وازرع البذور التي غاصت إلى القاع.

تُزرع البذور بإحدى طريقتين: إما في مساحة صغيرة، وبشكل متراص، ثم تفرَّد بعد إنباتها، وإما أن تزرع في مكانها الدائم حتى تزهر، على ألا يقل عمق الوعاء الذي تبذر فيه عن 7.5 سم، وتغطى البذور بالتراب بسماكة سنتيمتر واحد.

تنبت البذور خلال ستة أسابيع من زراعتها، وتستمر في أماكنها حوالى الشهرين، وتكون أول ورقتين منها بيضوية الشكل، ولا تشبه أوراق الورد. وحين تظهر أوراق الورد المميزة يمكن نقل النباتات، حتى بقلعها من جذورها. علماً بأن بعض البذور لا ينبت إلا في العام القادم.

تنمية البادرات:

بعد إنبات البذور، يمكن للبوادر أن تربي في الداخل، أو في الحديقة، وعادة لا تعطي بادرات الورد أزهارها الأولى في البيوت الزراعية، وهو غير ضروري لها بالطبع، لكن هذه البادرات يمكن لها أن تزهر في داخل الغرف، بالقرب من النوافذ، أو تحت ضوء اصطناعي قوي.

يجب حجب البذور عن الضوء لمدة أسبوع على الأقل، وكذلك المحافظة على حرارة التربة 10 إلى 20 درجة مئوية، وبعد وفع الغطاء توضع في مكان ظليل حتى خروج أول ورقتين، وبعد ذلك تزاد الإضاءة تدريجياً.

من الضروري الاعتماد على الزراعة الداخلية للورد في المناطق ذات الشتاءات الطويلة، بسبب قصر فصل النمو. كما يفضل اختيار الأصناف المبكرة الإزهار، كصنف الورد المسمى (ورد الشاي)، وهو صنف يزهر بعد ستة أسابيع من زراعته ابتداءً من البذرة. بذلك يمكن الحصول على الورد في الذاخل قبل أن يزهر الورد في الخارج، خلال الشتاء أو الربيع المبكر. وحالما يزول خطر الصقيع، يمكن إخراج النباتات إلى الخارج، على أن تحمى من الرياح وأشعة الشمس المباشرة. وإذا استعملت الإضاءة الاصطناعية في الداخل، استعمل مصابيح الفلورسنت الخاصة بتنمية النباتات بقوة 40 واطاً، وعلى ارتفاع 15 سم، على ألا تقل الإضاءة عن 16 ساعة يومياً.

في المناطق ذات الشتاءات المعتدلة، ليس مهماً أن تحصل على الأزهار من النباتات المزروعة في الداخل، لكن من الممكن تحضير المهد في الخارج، لكن التربة الجيدة والإضاءة من الأمور المهمة لتحقيق الإنبات والإزهار الأول. وتقليلاً للمساحة، يمكن زراعة البذور متراصة، ثم نقل البوادر.

إذا زادت الرطوبة، يمكن للفطريات أن تقتل النباتات الصغيرة، وهذا ما يستدعي استعمال التربة المعقمة والأصص النظيفة. وكوقاية إضافية، يمكن تعفير البذور بالكابتان قبل الزراعة، وبعد ترطيب البذور، كما يمكن غسل الأصص بمحلول الديكسون، أو تعفيرها بالكابتان.

يمكن لأي نبات تختاره أن يزهر في عامه الثاني أو الثالث في الحديقة، والطريقة الوحيدة التي يمكنك من خلالها الحفاظ على الصنف، أو إكثاره لأغراض تجارية، هي تطعيمه بالبرعم (العين) على أصول تجارية قياسية، وستلاحظ أحياناً تحسناً في الإزهار، في النباتات المطعمة، وغالباً ما يمكن الحصول على نباتات أكبر وأقوى.

بالنسبة للتأبير (التلقيح) الخلطي، يمكن إجراؤه حين تصبح مياسم الأزهار ناضجة لزجة، فتُقطع الزهرة الحاوية على الخلايا الذكرية (غبار الطلع)، وتُزال تويجاتها، ثم تمرَّر على مياسم الأزهار، ويفضل تعليق لوحة على النبات المؤبَّر يدون عليها اسم صنف الزهرة الأب، لأسباب تتعلق بالتربية.

كيف نُجري عملية التطعيم بالبرعم (بالعين)؟

  • تبدأ عملية التطعيم بعمل شق على شكل الحرف T في اللحاء، بارتفاع خمسة سنتيمترات عن الأرض على الأصل، وبطول 2.5 سم.
  • يُهيّأ الطعم باختيار ساق مزهرة، يؤخذ منها برعم مع اللحاء، وجزء من الخشب.
  • يفتَح الشق الذي أجري على الأصل، ثم يُدخل الطُّعم فيه نصف سنتيمتر على الأقل، ثمّ يُربط بالرافيا فوق الطعم وتحته.
  • في الربيع التالي، وبعد ظهور نمو قوي من البرعم الطعم، يمكن قطع الأصل على ارتفاع 2 – 3 سم فوق الطعم، ويمكن حل الرباط بعد ثلاثة أسابيع إلى أربعة، حيث يظهر مدى نجاح الطعم.

المهندس دريد نوايا

(نشر في نشرة معرض الزهور – دمشق 2008)

Comments are disabled