طائفة نحل العسل

تتكون طائفة النحل من ثلاثة أنماط من النحل هي: الملكة، والشغالات، والذكور. يأخذ هذا التقسيم وظيفة كل منها في الاعتبار، فتتألف الطائفة من ملكة مخصبة، وعدة آلاف من الشغالات، يختلف عددها حسب الفصل، وعدة مئات إلى بضعة آلاف من الذكور خلال فصل التكاثر.
 الملكة
الملكة هي الأنثى الكاملة الوحيدة في الطائفة، وهي الأم الحقيقية لها، وظيفتها الوحيدة وضع البيض للمحافظة على النوع، وهي أكبر من الشغالة، لكنها أصغر من الذكر، وجسمها أطول من جسم الشغالة، وأجنحتها أقصر، يضيق بطنها باتجاه الخلف. للملكة آلة لسع، لكنها مقوسة ولا تستخدمها إلا لمصارعة الملكة المنافسة وقتلها.
عندما يصبح عمر الملكة 5 – 6 أيام، تطير خارجـاً للتزاوج مع الذكور. وبعد أن يتم لها ذلك، تبقى هكذا مدى الحياة، مع أنها تعيش غالباً ثلاث أو أربع سنوات، وحتى ست سنوات في بعض الأحوال.
بعد تزاوجها ببضعة أيام، تبدأ وضع البيض، وتستطيع، إذا كانت مخصبة، أن تضع عدداً كبيراً من البيض، قد يصل إلى 3000 بيضة في اليوم، وذلك في النخاريب ضمن حجرة الحضنة (العش) من الخلية. تستمر الملكة في وضع البيض، عادةً، من كانون الثاني (يناير) وحتى تشرين الثاني (نوفمبر)، لكنها تبيض قليلاً في الربيع المبكر، وحين تزهر
النباتات، ويتوفر الرحيق والطلع، يزيد معدل وضع البيض إلى الذروة.

يشغل مَبِيضا الملكة الجزء الأكبر من بطنها، وهما جسمان إجاصيا الشكل، يتألف كل منهما من الكثير من الأنابيب، وينشأ البيض من النهاية العلوية لهذه الأنابيب، تمر عبر قناة المبيض نحو المهبل حيث يخرج البيض.

أما الحافظة المنوية فهي عبارة عن كيس يحتوي على النطاف الذكرية، ويمر جميع البيض عن طريق الحافظة المنوية، لكنه لا يلقح جميعاً. تحصل البيضة على نطفة واحدة أو أكثر، وبذلك تنتج عنها ملكة أو شغالة. وإذا لم تحصل على نطفة، وبقيت غير ملقحة، أنتجت ذكراً. إذا لم تتمكن الملكة من التزاوج، خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من عمرها، لسبب أو لآخر، فقدت رغبتها به. لكنها، برغم ذلك، تكون قادرة على وضع البيض، الذي تنتج الذكور عنه فقط. كذلك، إذا كانت أعضاء الذكور عقيمة أو مستهلكة، أو غير مخصبة بسبب البرد، قد تضع الملكة بيضاً لا يتطور إلا إلى ذكور. في مثل هذه الحالات تكون الملكة عديمة الفائدة، ويجب استبدالها.

هناك أنواع قليلة جداً من الحشرات التي تضع إناثها بيضاً غير ملقح يتطور إلى حشرات كاملة. يدعى هذا النوع من التكاثر “التكاثر البكري، أو العذري”parthenogenesis وقد وصفه في ملكة النحل دزيرون  Dzierzon .

من الضروري أن تكون في طائفة النحل ملكة مخصبة، وليس هناك سبب يجعلها عقيمة، أو يؤدي إلى عقمها، أو تقل خصوبتها خلال فصل التربية، أو أن تموت بسبب سنها المتقدمة، أو لحادث ما. في هذه الحالة، تقوم الشغالات مباشرة بتحضير ملكة تحل محلها، وهذا ما يتم عن طريق بناء نخاريب ملكية، خارج نخاريب حضنة الشغالات وحولها ، تحتوي على يرقات تتطور إلى ملكات.
بتغذية اليرقات على الغذاء الملكي، يمكن للبيضة التي كان من المفترض أن تصبح شغالة، أن تتحول إلى ملكة. إن تعبير “الغذاء الملكي  royal jelly” تعبير خاطئ، مع أن أغلب المؤلفين يستخدمونه، وهو الغذاء الذي يقدم للملكة طوال حياتها.
يقوم النحل بتربية الملكات في أثناء التحضير للتطريد، فتقوم الملكة التي تخرج أولاً بتدمير بيوت الملكات الأخرى، وعادة ما يساعدها باقي النحل في ذلك، إلا إذا كانت الطائفة ستطرِّد مرة ثانية. وباستثناء طيران الزفاف، لا تغادر الملكة الخلية إلا بمرافقة الطرد.
الذكور

الذكر اقصر من الملكة، وأكثر اكتنازاً، وأضخم منها، وتمتد أجنحته لتصل حتى نهاية بطنه. وهو أكبر بكثير من الشغالة، وجسمه مغطى بالشعر القصير الناعم، كالملكة والشغالة. أما أزيزه وهو يطير، فهو أقوى من أزيز الشغالة، ويختلف عنه أيضاً.

ليس لذكر النحل إبرة لسع، وليست لديه أي وسيلة لجمع العسل، أو إفراز الشمع، أو عمل أي شئ ضروري حتى لحياته أو للطائفة. المهمة الوحيدة للذكور هي تلقيح الملكات خلال طيران الزفاف، وتنتهي حياة الذكر عند انتهاء هذه المهمة مباشرة، ولا تزيد نسـبة الذكور التي تتمكن
من ذلك عن واحد بالألف. وعلى اعتبار أن حياة الملكة قيمة، والأخطار تحيط بها، وتطير عدة مرات بهدف التزاوج،  فإن مـن الضـروري أن يكون عدد الذكور كافياً لكي لا تطيل الملكة غيابها عن الخلية، وهذا هو سبب تربية النحل للمئات، وغالباً الآلاف، من الذكور في كل طائفة خلال الربيع، فصل التكاثر والتطريد. وحين يحتوي المنحل على عشرات أو مئات الطوائف، يجب اختيار طوائف معينة لتزويدها بإطار حضنة ذكور لتربيتها بكميات كبيرة للتكاثر.
بعد انقضاء فصل التطريد، أو إذا لم يكن المرعى جيداً، أو كان موسم فيض الرحيق قصيراً، تقتل الشغالات الذكور بلا رحمة. لكن إذا فقدت الملكة لسبب أو لآخر، يتم الاحتفاظ بالذكور لفترة أطول. فالملكات الفتية ستبقى عذارى إذا لم تتوفر الذكور، وستصبح الطائفة في الحال في حكم المنقرضة.
لدى مقارنة رأس الذكر برأس الملكة ورأس الشغالة، ستلاحظ بسهولة العينين المركبتين اللتين تبرزان على شكل هلالين على جانبي الرأس، وهما كبيرتان جداً مقارنة مع مثيلاتهما في كل من الشغالة والملكة. وقد علل العلماء ذلك ليتمكن الذكر من العثور على الملكة في أثناء الطيران. تتكون قرنية عين الذكر المركبة من خمسة و عشرين ألف عدسة، وبذلك يتمكن من الرؤية في جميع الاتجاهات. أما العيون الثلاث البسيطة الواقعة على جبهة الرأس، والتي لها مثيل في كل من الملكة والشغالة، وتتوزع على شـكل مثلث، فربما كانت تستخدم للرؤية في الظلام، داخل الخلية، وعلى مسافة قريبة.
الشغالات
الشغالات إناث غير مكتملة النمو، تقوم بجميع الأعمال في الخلية. فهي تفرز الشمع وتبني الأقراص، وتقوم بتهوية الخلية، وتجمع الرحيق للنحل الفتي والعسل لجميع النحل، وتغذي وترعى الحضنة، وتدافع عن الخلية. وهي الأصغر حجماً من الملكة والذكور، والأكثر عدداً، وتمثـل
قوة الطائفة، وتنظم اقتصادها.

ينقسم جسم النحلة تشريحياً إلى ثلاث قطع: الرأس والصدر والبطن، وتعتبر مكونات رأس الشغالة هامة جداً بالنسبة لها. لقد ذكرنا سابقاً، لدى الحديث عن الذكور، أن عيونها المركبة أكبر من مثيلاتها في الشغالة والملكة، وتتألف من عدد كبير جداً من العدسـات،  مقارنـة مع العيـن المركبة في كل منهما.

للشغالة فكان قصيران مكتنـزان وناعمان، ويتحركان جانبياً في أثناء العمل بدلاً من الأعلى والأسفل (شاقولياً) كما هي الحال في الحيوانات الأكثر تطوراً. وعلى العكس من الدبابير، ليس لهذين الفكين أسنان، وهما متوافقان مع أداء الواجبات الضرورية في الخلية، وقولبة الشمع لبناء الأقراص الشمعية. وعلى ذلك، فإن النحل غير قادر على قضم الجلد الناعم الطري للفاكهة المعروفة، ومن أي نوع كان. كما يتألف اللسان في النحلة من عدة أجزاء هي: اللسين، والملامس، والفكين. والجزء المركزي من اللسين مخدد مثل قناة، مثني إلى الأسفل حين يكون في حالة الراحة، تحت الذقن. وهناك ثلاثة أزواج من الغدد اللعابية في الرأس والصدر، يفترض أن الزوج الأكبر منها يستخدم في إنتاج طعام اليرقات، كما سنرى في ما بعد. ويشكل قرنا الاستشعار ما يشبه القرنين، إذ يخرجان من الرأس. وقرون الاستشعار أعضاء موجودة لدى جميع الحشرات. لقد سميا قرنا الاستشعار لأن الحشرة تفحص كل شئ تلامسه باستخدامهما، ويبدو أنهما يخدمان في أغراض الشم واللمس والسمع. وباعتبار أن هناك عشرات الألوف من النحل في الخلية، فمن السهل أن تتعارف على بعضها البعض باستخدام قرون الاستشعار. تقع أعضاء التنفس في الصدر وفي البطن بين حلقاته، التي تكون القسم الخلفي من جسم النحلة.
المعدة الأولى، أو معدة العسل، تتوضع في البطن. من هذه المعدة، قد يهضم النحل جزءاً من العسل عن طريق دفعه إلى المعدة الثانية، أو يستخدمه في تغذية جسمه، أو يعيده عبر الفم ليخزنه في نخاريب الأقراص الشمعية، بهدف استخدامه في المستقبل.
للنحلة أربعة أجنحة وست أرجل مثبتة جميعاً إلى الصدر، أي القسم الأوسط من الجسم. وتشكل الأجنحة زوجين ينثنيان على بعضهما لتتمكن النحلة من دخول النخروب، حيث الحضنة أو مكان تخزين العسل. وخلال الطيران، يتشابك كل جناحين على كل من الجانبين بواسطة خطاطيف ناعمة، بحيث يشكلان مساحة أوسع للتلامس مع الهواء. وليس من الضروري أن نبحث في أجزاء أرجل النحلة. لكن، يمكننا القول بأن كل رجل مزودة في نهايتها بمخالب تسمح للنحلات بالتعلق على بعضها في أثناء تشكيل العنقود. وبالقرب من هذه المخالب، هناك جيب صغير شبه مطاطي يفرز مادة لاصقة تساعد النحلة في تثبيت نفسها، والسير بسهولة على السطوح الملساء، كما هي الحال في الذبابة المترلية، وغيرها من الحشرات. زوج الأرجل الأمامي مجهز بثلم وشوكة شبيهة بالإبهام، تستخدمها النحلة لتنظيف قرني الاستشعار، والحركة التي تؤدى لهذا الغرض كثيراً ما تلاحظ على الذبابة المترلية، إضافة إلى النحلة. وعلى زوج الأرجل الخلفي للشغالة سلَّتا الطلع، وهما عبارة عن مكان تضع فيه النحلة حمولتها من الطلع، وتعود به إلى الخلية، لتعد طعام النحل الفتي، الذي ندعوه خبز النحل. ليس للذكر أو الملكة مثل هذه السلال، فهي غير لازمة لهما، لأنهما لا يعملان إطلاقاً في الخلية.
المبيضان اللذان يكونان كبيرين في الملكة، يكادان يكونان غائبين في الشغالة، باعتبارها أنثى غير مكتملة، وبالتالي غير مناسبة للتزاوج، مع أنها تكون قادرة، بشكل نادر، على وضع القليل من البيض الذي تنتج عنه، لدى نضجه، الذكور فقط. من ناحية ثانية، تكون إبرة اللسع في الشغالة مستقيمة ومتصلة بكيس سم عالي التطور، وليست مقوسة، كما هي الحال في الملكة التي تستخدمها لوضع البيض، أو لقتل الملكات الأخرى لدى خروجها كاملة من نخروبها الملكي. وهي في الشغالة على شكل شوكة، تستخدم للدفاع عن النفس، وعن الخلية. وعلى العكس من الملكة التي تستخدم إبرتها عدة مرات، تستخدم الشغالة إبرتها مرة واحدة فقط، إذ تفقدها عند اللسع، محدثة جرحاً مكانها، ولا تلبث أن تموت.
تعيش الشغالة بضعة أشهر في الشتاء، الفصل الذي لا تطير خلاله كثيراً، لكن عمرها قصير جداً في الصيف، أقل من أربعين يوماً في المتوسط. إنها، ببساطة، تستهلك نفسها. لهذا السبب تموت الطائفة اليتيمة (عديمة الملكة)، التي لا تخرج من نخاريبها الشغالات الفتية يومياً، وبسرعة شديدة. والطائفة التي تخفق في تربية ملكة بعد التطريد، أو تلك التي تفقد ملكتها خلال طيران الزفاف، ستُفقد بالكامل مع الخريف. أما الشغالات التي تتلقى الرعاية في الخريف، ويكون لديها القليل من العمل خارج الخلية، فإنها ستبقى على قيد الحياة حتى الربيع التالي، ولن يموت أي منها بسبب التقدم في العمر، وأغلبها يعمل حتى يموت، والكثير منها يموت بسبب الحوادث.
ضع الشغالات والملكة والذكور معاً في خلية، وأعطها الوقت الكافي لتبني أقراص شمعها، ستجدها وقد أصبحت طائفة. يختلف عدد النحل في الطائفة من بضعة آلاف، وحتى ستين ألفاً، أو أكثر. وقد يوصف النحل بأنه حشرة اجتماعية، ذلك لأنها تعيش معاً، وتتقاسم العمل في ما بينها.
تطور الحضنة

الحضنة هي البيض والأطوار الأخرى غير المكتملة من النحل، وتتوضع في نخاريب أقراص عش الحضنة داخل الخلية. ومن السهل التمييز بين ثلاثة أنواع من الحضنة: نخاريب الملكات التي تشبه فنجان البلوط حين تكون فارغة، وتشبه حبة الفستق السوداني حين تكون مختومة. وتختلف نخاريب الشغالات المختومة عن نخاريب العسل في تماثلها، وفي المظهر

الجلـدي لأغطيتهـا.  وتختلف حضنة الذكور عن
حضنة الشغالات في أغطيتها المستديرة، التي تبدو شبيهة بكرة صغيرة.
هناك ثلاث مراحل لتطور النحلة، سواء كانت ملكة أم ذكراً أم شغالة، قبل أن تصبح حشرة كاملة. هذه المراحل هي: البيضة، واليرقة، والعذراء (الخادرة). تضع الملكة البيض في أسفل النخروب. تفقس البيضة خلال ثلاثة أيام، وتتحول إلى دودة بيضاء صغيرة تدعى”يرقة”، تقوم الشغالات بتغذيتها، ويزداد حجمها بسـرعة. وحين يمتلئ النخروب تقريباً باليرقة النامية، يقوم النحل بإغلاقه، فتدخل اليرقة طور العذراء.
يغذي النحل اليرقات التي ستصبح ملكات بالغذاء الملكي فقط طوال فترة نموها، بينما يغذي يرقات الذكور والشغالات به خلال الأيام الثلاثة أو الأربعة الأولى من حياتها اليرقية. وبعد ذلك يغذيها على طعام أكثر خشونة، يتألف من العسل وحبوب الطلع، يدعى خبز النحل.
تستغرق الشغالات من البيضة حتى الطور الكامل واحداً وعشرين يوماً، بينما تستغرق الذكور أربعة وعشرين يوماً، وتنضج الملكات خلال خمسة عشر يوماً. في الظروف العادية، لا تغادر الشغالات الخلية لما بعد اليوم الثامن من نضجها. خلال هذه الفترة، لا تكون عاطلة عن العمل، إذ تعمل كمرضعة لليرقات. وحوالى اليوم الثامن تقوم بأول طيران لها خارج الخلية، وعادة ما يطير عدد من الشغالات الفتية معاً خلال الوقت الدافئ من بعد الظهر. إنها تطير حول مدخل الخلية في حشود سعيدة وطنانة، مشكلة حلقات مسالمة، لتتعرف على مكان وموقع الخلية، التي تعود إليها عادة دون أن تخطئ.
الجدول التالي يبين الفترة اللازمة لتطور الحضنة حتى تمام النضج:
ذكر
شغالة
ملكة
الطور
4
3
3
بيضة
605
6
5
يرقة نامية
1.5
2
1
غزل الشرنقة
3
2
2
فترة السكون
1
1
1
التحول إلى عذراء
9
7
3
التحول إلى حشرة مجنحة
24
21
15
معدل كامل المراحل
الفترة اللازمة خلال الصيف، إذ أنه يطول قليلاً في الأوقات التي تكون فيها درجات الحرارة منخفضة
من الأمور الهامة التي على النحال المبتدئ تعلمهـا تمييز الطيران الأول للنحل الفتي، إذ أن صخبه وسعادته يشبهان ما يقوم به النحل السارق، وعليه ألا يخلط بين الاثنين.
إنتاج الشمع وبناء الأقراص
المنتجان القيمان تجارياً لطائفة نحل العسل هما العسل وشمع النحل. وٍإنتاج الشمع الذي يستخدمه النحل لبناء الأقراص واحد من أكثر الظواهر لفتاً للانتباه في تنظيم نحل العسل. فحلقات البطن للشغالة البالغة ست حلقات، تتداخل في ما بينها. وعلى أربع منها من الأسفل أزواج من سطوح شفافة خماسية الوجوه، تتشكل عليها قشور صغيرة من الشمع، عن طريق عملية هضم خاصة. تستطيع كل شغالة أن تنتج الشمع، لكن الملكة والذكور لا تستطيع ذلك.

هذه العملية لا إرادية، مادامت النحلة خاضعة لامتلاء معدتها بالعسل لمدة طويلة. وهي عملية بطيئة في الظروف العادية، لكن سرعتها تزداد عندما تتطلب الحالة ذلك. وما دام هناك الكثير من النخاريب الفارغة في الخلية لاستلام المحصول، لا يكون النحل مجبراً على المحافظة على المعدة ممتلئة بالعسل بشكل مستمر وثابت، ما دامت هناك كمية كافية من الشمع لإصلاح أو سحب النخاريب أو ختمها. ولكن، حالما أجبرت الطائفة الكثير من الشغالات على امتلاء معدتها بالعسل أربعاً وعشرين ساعة أو أكثر، أنتجت كمية كافية من الشمع لبناء الأقراص، وتخزين العسل الفائض.

إذا كان الطرد على أهبة الاستعداد لمغادرة الخلية الأم، تملأ النحلات معداتها بالعسل. وحين يدخل الطرد خليته الجديدة، تعلق النحلات المتخمات نفسها من أعلى المنـزل الجديد، وتبقى دون حراك لمدة 24 ساعةيتم خلالها هضم العسل وتحويله إلى شمع.

وباعتبار أن طوائف النحل لا تطرِّد عادة إلا خلال فترة تدفق جيد للرحيق، فإن الكثير من النحل الذي يؤلف الطرد، غالباً ما ينتج الشمع بصورة مسبقة تحت حلقاته البطنية، وهذا ما يفسر السرعة الهائلة التي يقوم النحل من خلالها ببناء الأقراص، ضمن هذه الظروف.

يبلغ عدد النخاريب في الإنش الطولي (2.54 سم) خمسة، وفي الإنش المربع (6.45 سم2) 27 نخروباً من نخاريب حضنة الشغالات. أما النخاريب التي تربى فيها الذكور فتبلغ أربعة في الإنش الطولي، وحوالى 18 في الإنش المربع. ولأن النخاريب تبنى على القرص من الوجهين، يضاعف الرقم لمعرفة ما تنتجه وحدة المساحة في الأقراص من النحل.
يدعى عدد من النخاريب “النخاريب المتوسطة”، وتبنى حين يغيِّر النحل القرص من حَضن الشغالات إلى حضن الذكور. مثل هذه النخاريب تكون غير نظامية الشكل والحجم، وتختلف بين الاثنين حسب متطلبات الظروف. بجانب ما ذكر من نخاريب، هناك نخاريب كبيرة ومعلقة ومتجهة نحو الأسفل، وتشبه فناجين البلوط، أو حبات الفستق السوداني وتتوزع هنا وهناك، خصوصاً على حواف الأقراص، وهي النخاريب الملكية، تربى فيها الملكات بهدف التطريد، أو إحلال ملكة فتية محل الملكة المسنة عندما تصبح عقيمة. لا تستخدم نخاريب حضنة الشغالات والذكور فقط لحضانتها، وإنما لتخزين العسل أيضاً ، كما تخزن حبوب الطلع في نخاريب حضنة الشغالات. تبلغ سماكة أقراص حضنة الشغالات حوالى إنش واحد (2,54 سم)، مع ترك مسافة تبلغ 16/5 إلى 16/7 من الإنش لمرور النحل (11-8 سم)، قد تزيد قليلاً دون إزعاج النحل. والكثير من النحالين يجعلون المسافة بين القرص والآخر إنشاً ونصف الإنش (38مم) من المركز إلى المركز، وهذا ما يسهل العمل في الخلية.
يقدر أن إنتاج النحل لكيلو غرام واحد من شمع الأقراص يتطلب استهلاك 7 – 15 كلغ من العسل، وتختلف هذه الكمية دون شك كثيراً حسب الظروف التي يجد النحل نفسه فيها وهو يبني الأقراص. تبنى أكبر كمية من الأٌقراص خلال فترة الفيض القوي، وفي درجات حرارة الصيف. وتعتبر درجة الحرارة المرتفعة الزائدة معوقاً لذلك، فقط حين يلين الشمع كثيراً، مسببة تعطل العمل به.
في البداية، ولدى بناء الأقراص الشمعية، تكون ذات لون أبيض. ومع مرور الزمن والاستخدام، يتحول لونها إلى الغامق، والشرنقة الرقيقة التي تبطن نخاريب الحضنة تساعد في هذا التحول اللوني. وهكذا تكون هذه الأقراص قيمة لأغراض التربية، ولمدة طويلة، أو حتى ينقص حجمها. وتأتي قيمتها من تحملها لدى استخدامها في فرز العسل والطلع الأصفر الغامق. يأخذ القرص ذلك اللون فوراً، مع أنه يكون أبيض اللون
حين يفرغ النحل من بنائه.
العسل
العسل حلوى نباتية نتجت أساساً من رحيق أزهار معينة. فالنحل لا صنع الرحيق، وإنما يجمعه، مع أنه، خلال نقله من الأزهار إلى الخلية في معدته، يخضعه لتحول بسيط بفعل الإنزيمات في جسم النحلة. وهكذا فإنه يدعى رحيقاً قبل أن يجمعه النحل، وعسلاً عندما يصبح في أقراص الشمع داخل الخلية. يحتوي الرحيق على القليل أو الكثير من الماء حسب

الفصل الذي تم إنتاجه فيه، وحسب حالة الطقس، وكمية الرطوبة في التربة، والنبات الذي جمع منه. ويقال بأن زهر الفوشيا يعطي رحيقاً كثيفاً، والرحيق المجموع من أزهار نبات الخلنج في السهول الرملية الجافة يكون غالباً كثيفاً جداً، لذلك يصبح فرزه صعباً. من ناحية ثانية، يكون رحيق النفل الأبيض غالباً رقيقاً جداً حينما يجمع، لدرجة أن عسله يقطر كالماء من الأقراص لدى تعامل النحال به، ويشكل الماء فيه أحياناً 75 – 90%، لكن النحل يقوم بإنضاجه عن طريق الحرارة داخل الخلية، والتهوية التي يقوم بها النحل بمروحة أجنحته. فخلال القطف الوفير، غالباً ما ترى خطوطاً من النحل مواجه الخلية، تمتد من حافة لوحة الطيران داخل الخلية، أو عبر جميع الأقراص، وأجنحتها تتحرك بسرعة تجعلها غير مرئية. ولا تقتصر هذه العملية على تبخير العسل، وإنما لإدخال الهواء النقي إلى داخل الخلية، والمحافظة على درجة حرارة أدنى فيها.

تختلف كمية العسل التي تجمعها خلية واحدة في اليوم مـن بضعة عشرات من الغرامات وحتى عشرة كيلو غرامات أو أكثر، لكن جزءاً من هذه الكمية سيتبخر خلال عملية إنضاج العسل، إذ يختفي ما نسبته 25% من الرحيق المجموع خلال الـساعات الأربع والعشرين الأولى. وحين ينضج العسل بشكل كاف، يقوم النحل بختم النخاريب بطبقة رقيقة من الشمع.
بالإضافة إلى الرحيق الذي يجمعه النحل من الأزهار، يجمع النحل أحياناً بعض المواد الحلوة، ويحملها إلى الخلية، تدعى”الندوة العسلية”، وهي مواد سكرية تنتجها بشكل رئيسي حشرات المن، وهي مادة منخفضة القيمة، وغير مقبولة كعسل. لكن النحال لا يستطيع أن يتجنب جمع النحل لها في بعض الفصول، وإن إضافتها لمجموع محصول العسل يخفض من نوعيته.
حبوب الطلع
هي غبار الإخصاب في الأزهار. فالنحل يجمع هذه الحبيبات ويساعد في نشرها وإخصاب الأزهار في ما يدعى “التلقيح الخلطي” أو “التأبير”، فيزيد من محصول البذور وعقد الثمار، وتلعب حبوب الطلع دوراً هاماً في اقتصاد الخلية. تعطي ليرقات الشغالات ويرقات الذكور في الجزء الثاني من حياتها. وفي الشتاء، يكون النحل في الفصل غير النشط، وليس لديه حضنة، ولا يكون هناك شعور بحاجة النحل لحبوب الطلع. في ذلك الوقت يكون العسل هو الغذاء المناسب، والعسل الذي يحتوي على أقل كمية من حبوب الطلع يناسب النحل أكثر، ويعتبر أفضل لصحته، لأنه لا يترك إلا القليل من المواد الهامة غير المهضومة التي يضطر النحل لطرحها على شكل براز، وعلى مدى فصل طويل. وهكذا، فإن عسل الندوة، وعصير الفاكهة، والعسل الغامق المحمل بحبوب الطلع،كلها تعتبر أغذية سيئة في أثناء الشتاء.

دعنا نتذكر أن النحل ضروري لتأبير أغلب أزهار أنواع الفاكهة، والكثير من الخضار، إضافة إلى النفل و الفصفصة والبقوليات، وغيرها كثير. وخلال زيارته للأزهار، يقوم بنقل حبوب الطلع التي تعلق بالشعر على جسمه، من زهرة إلى زهرة، وبذلك تزيد محاصيل الفاكهة والبذور.

البروبوليس (العكبر)

هو مادة راتنجية يجمعها النحل من براعم وأغصان بعض الأشجار، قابلة للكسر في الطقس البارد، إلا أنها دبقة تماماً في الصيف، إذ يستخدمها النحل مباشرة لأغراض أمنية وبنائية، مثل سد الشقوق في الخلية، وتضيق المدخل الواسع، ودعم أقراص الشمع وتقويتها على الجدران. كما يستخدم النحل البروبوليس لتغطية الأشياء التي يعجز عن نقلها إلى الخارج، كالخشب المتعفن جزئياً في تجاويف الأشجار التي قد تكون ملجأ لمسببات الأمراض، أو تغطية الحشرات الكبيرة والفئران التي تقتل داخل الخلية. يحمل النحل البروبوليس في سلال الطلع. وخلال الصيف الجاف، ولدى شح الرحيق والطلع، يقوم النحل بجمع كميات كبيرة منه، ويطلي كامل الجدران الداخلية للخلية به، حيث ترى هذه الجدران أحياناً، وعليها طبقة سميكة منه.

الماء
في فصول التربية، حين تكثر الحضنة، وحين لا يتوفر الرحيق الطازج المائي، يكون الماء ضرورياً للنحل، لتحضير الطعام الذي سيقدمه لليرقات. وفي بداية الربيع، يلاحظ النحل حول المضخات ومصادر المياه لهذا الغرض. فالماء ليس ضرورياً للحشرات البالغة، لكن من المفضل أن يحصل النحل عليه من مكان قريب من موقع المنحل خلال الأيام الباردة من الربيع، إذ تكون حياة الشغالات معرضة للخطر خلال الرحلات البعيدة. يمكن تأمين الماء عن طريق وعاء نظيف تطفو على سطحه قطعة من أي مادة عائمة، لكي لا تواجه النحلات خطر الغرق.
المهندس دريد نوايا
(من كتاب دروس أولى في فن النحالة)

ملاحظة: إذا كنت تود أن تمارس النحالة العلمية من خلال دورة مكثفة يمكنك ذلك عن طريق الاتصال بالموقع.

Comments are disabled