النحل المرزوم
من وصوله إلى فيض الرحيق
أسهل طريقة للبدء بتربية النحل هي شراء طرد مع حضنته، وملكته من الهجين الأول، لأنها الطريقة الأقل متاعب.
لنفترض أن النحال المبتدئ قرأ بعض الكتب والمجلات المتخصصة بتربية النحل، وأصبحت لديه أرضية ثقافية لا بأس بها، واتفق مع أحد محلات بيع لوازم التربية، وجهز كل شيء استعداداً للبدء بالعمل. فالخطوة التالية ستكون في التعامل مع النحل.
النحل المرزوم هو، كما يدل عليه اسمه المباشر، رزمة تحتوي على الشغالات والملكة والذكور أحياءً، وقد تمت تربيتها في مكان أكثر دفئاً، وشحنت إلى مكان آخر، بحيث كان وصولها متزامناً مع الإزهار المبكر للفاكهة. أما الوعاء الذي يحتوي على هذا النحل، فإما أن يكون مصنوعاً من الخشب والشبك المعدني المناسب، أو من الكرتون المقوى بطبقة متموجة من الورق السميك نسبياً مع الشبك المعدني، وعلى شكل طرد بريدي. تحتوي الرزمة عادة على حوالي 900 غرام من النحل، وفي بعض الحالات حتى 1400 غرام. وفي داخله ملكة فتية جاهزة لوضع البيض، وتكون داخل قفص ملكة صغير منفصل ومعلق بسلك، إضافة إلى علبة صغيرة تحتوي على شراب سكري لتغذية النحل في الطريق.
يرى الكثير من النحالين أنه من الأفضل إعطاء النحل كمية إضافية من الطعام حالما يصل، وذلك بمحلول سكري يتألف من جزء من السكر المحبب مع جزء من الماء الدافئ.
أما كيفية تقديم الطعام، فتتم باستخدام فرشاة دهان وتغطيسها في المحلول السكري، ثم دهن الشبك السلكي به بلطف، فيتغذى النحل عليه. حين يأخذ النحل بسهولة ما يكفيه من هذا المحلول يجب نقل الطرد إلى الخلية التي وضعت في المكان المخصص لها، في الموقع الصحيح.
ليست هناك ضرورة ملحَّة لإسكان النحل المرزوم في خلاياه بمجرد وصوله، بشرط أن يقدم له الطعام الكافي. ومن المفضل وضع الرزمة في مكان جاف وبارد، والأفضل أن يكون مظلماً كغرفة أو قبو، ويقدم له الطعام حتى يتم إسكانه.
الخطوة التالية تتم بتركيب الخلية التي سيسكنها النحل، القاعدة والصندوق مع الأطر ذات شمع الأساس، الغطاء الداخلي والغطاء الخارجي، والغذاية، ومصغر المدخل، في المكان المخصص لإسكان الطائفة. أما الوقت المثالي لهذا العمل فهو في وقت متأخر من بعد الظهر، أو في الصباح الباكر، وذلك لتجنب طيران النحل في اليوم الأول، دون أن يقـوم بترتيب خليته من داخلها، أو يتم تعليم موقع الخلية بالنسبة للمنطقة التي سيتم الرعي فيها.
إضافة لهذه التجهيزات، على النحال المبتدئ أن يحمي نفسه أيضاً، ويقتضي إسكان النحل المرزوم العمل بعناية وتركيز، ويمكن للإرباك الذي يسببه لسع النحل أن يخلق مشكلة. فالقناع والقفازان ضرورية، وأكمام القميص يجب أن تكون طويلة وداخلة تحت أكمام القفازات الطويلة. كما يجب أن يكون ساقا البنطال محكمين عند الكاحلين، وأن تكون العتلة والمدخن جاهزين للاستعمال.
إنها فرصة النحال المبتدئ لفحص الملكة، إذ يضع البعض معها في القفص بضع شغالات خادمات لها، تقوم بإطعامها والعناية بها في الطريق، أما البعض الآخر فيرسل الملكة وحدها في قفصها، وتقوم الشغالات بإطعامها عبر شبك قفصها. لاحظ حجمها ومظهرها بالمقارنة مع الشغالات. قد يكون من الضروري وضعها في الخلية، في وقت متأخر. وإذا كانت معلَّمة بنقطة صغيرة من الدهان على صدرها من الأعلى، سيكون من الأسهل تحديد موقعها.
تحتوي إحدى نهايتي قفص الملكة على طعام أبيض يدعى “كاندي”، بينما تحتوي النهاية الأخرى على تجويف مغطى بشيء مثل الورق أو المعدن أو الفلين، ويجب إزالة هذه المادة إلا إذا كانت من الورق، عندئذ سيأكل النحل الكاندي ويحرر الملكة، فإذا أصبح الكاندي قاسياً جداً، توجب على النحال عمل حفرة فيه باستخدام مسمار صغير، لتسهيل المهمة على النحل في تحرير الملكة. إن الغاية من احتجاز الملكة لدى إسكان النحل هي السماح للنحل بترتيب خليته، دون أن تعم الفوضى، ويضطر النحل للتطريد وهجر الخلية، فالنحل لا يطرِّد دون ملكة، وإذا فعل ذلك، يعود قريباً، فالتطريد بدون ملكة يقود إلى ضياع النحل.
التعليمات التي ذكرناها مرهونة بالأحوال العامة المناخية والجغرافية، وهذه تدرس حسب المناطق والمواقع. وهناك استثناء مع كل موقع، وليست هناك نحالتان متشابهتان تماماً، وهذا جزء من التحدي الممتع، إذ على النحال أن يحدد ويحل المشاكل التي يتعرض لها النحل، والتي يمكن أن تمر معه خلال عمله.
من هذه الاستثناءات، على سبيل المثال، أن بعض بائعي النحل المرزوم لا يضع الكاندي في قفص الملكة، وعليها أن تتحرر خلال إسكان النحل، أو أن تموت جوعاً، إذ أنها لا تستطيع أن تطعم نفسها أو تعتني بنفسها، ويجب أن يكون الطعام متوفراً بسهولة ويسر. على العموم، سيرضى النحل بالملكة بسهولة، سواء كان عليه أن يأكل الكاندي حتى يحررها، أم أنها تحررت خلال إسكان النحل. تعتمد عملية الرضا إلى حد كبير على الرائحة، إذ أن للملكة رائحة تجذب النحل، وستكون نزعته الطبيعية نحو تحريرها وإطعامها والعناية بها، والمباشرة ببناء الأقراص فوراً لتقوم بوضع البيض في نخاريبها، وهذا ما سيزيد من عدد الشغالات في الخلية. النـزعة الطبيعية الأخرى لدى النحل هي حماية الملكة من الأذى، إذ أن نجاح الطائفة يعتمد على صحتها وسلامتها بشكل مباشر.
النحال الحكيم يعلم أنه عدو للنحل ودخيل عليه، من وجهة نظر النحل، وعليه أن يعلم أيضاً أن النحل لن يكون سعيداً به، وممتناً لفضله، لأنه أسكنه هذه الخلية الجميلة ليعيش فيها، وبالتالي، عليه أن يتخذ احتياطاته، من أجله ومن أجل النحل على حد سواء.
دع النحل وحيداً خلال بضعة الأيام الأولى، فإن لديه آلاف السنين من التعلم من الطبيعة، والغرائز، بحيث يمكن الاعتماد عليها. فإزعاج الخلية سيثير النحل، وخلال بضعة الأيام الأولى سيكون الوضع حرجاً، وقد يؤدي الإزعاج إلى موت الملكة، إما بسبب التعنقد المحكم عليها، وهذا ما يسبب لها الجرح أو الاختناق، أو برفضها بشكل كامل.
كيفية إدارة النحل المرزوم حتى بدء الفيض:
في اليوم التالي لإسكان رزمة النحل، افحص المدخل للتأكد من أن النحل رضي بأن يجعل طريقه من خلال الحشائش التي وضعت هناك. فإذا لم يكن قد خرج من الخلية، قم بخلخلة الحشائش لتصبح أقل كثافة بقليل، واحذر أن تشد الحشائش إلى الخارج. لا ترفع غطاء الخلية أو تزعج النحل بأي طريقة، فالنحل يأخذ بعض الوقت ليستقر في مسكنه الجديد. وهو إما سيحرر الملكة من قفصها، أو سينتظم حولها إذا ما تحررت مباشرة. في كل الأحوال، سيقبل بها، كما سيقوم ببناء قرص على شمع الأساس في أطر الخلية، وجميع هذه الأعمال تتطلب وقتاً. يجب أن يحصل النحل على طعام وفير خلال الأسبوع الأول من إسكانه، لذلك يجب التأكد من أن الغذاية تحتوي على الشراب السكري طوال الوقت، وتكون التغذية الأولى بالمقادير التالية:
بعد مضي أسبوع واحد اعتباراً من اليوم الذي تم فيه إسكان النحل، يصبح فتح الخلية وفحصها أميناً. في هذا الوقت، يجب أن تكون الملكة قد تحررت ورضي النحل بها، وربما بدأت وضع البيض في القرص الذي تم بناؤه، ويكون النحل قد فعل شيئاً في بناء الأقراص على شمع الأساس. ففي عملية البناء هذه، يأخذ النحل رقائق الشمع التي أفرزتها الشغالات أسفل بطونها، وشكلت النخاريب في ما يدعى عملية السحب (المط)، وهي عملية باهظة بالنسبة للنحل، إذ يستخدم فيها الطعام والطاقة. تأكد من أن هناك طعاماً متوفراً للنحل باستمرار، ولا تبعد الشراب السكري عن الخلية بسبب قرب موقع الأزهار.
دع النحل يقرر ما إذا كان يحتاج للتغذية أم لا، فهناك عدة عوامل تحكم تدفق الرحيق، وإن توفُّر الأزهار لا يعني الرحيق بالضرورة. فحين تكون الأزهار كافية، وتؤمن حاجة النحل من الرحيق، لن يستمر في أخذ المحلول السكري.
لدى قيام النحال بالفحص الأول للخلية، يكون قد أرسى قواعد إجراء روتيني. قم بارتداء البذلة، وأحكم ارتداء القفازين بشكل جيد، وكذلك اللباس عند الكاحلين، إضافة إلى القناع، لكي لا تترك المجال للنحل في الدخول منها إليك ليلسعك. تقدَّم نحو الخلية من جانبها، فالتقدم إليها من أمام المدخل يثير النحل، لأن من أولويات وظائف النحل أن يدافع عن خليته ضد الدخلاء. احمل العتلة والمدخن الجاهز، ولا تقم بحركات زائدة لا لزوم لها أو فجائية. يجب أن يكون إزعاج النحل في حدوده الدنيا، ونوعاً من الاضطرار.
ارفع الغطاء العلوي الخارجي، دخن من فتحة الغطاء الداخلي، فالتدخين سيلطف النحل من أول إشارة، فيأتي إلى نخاريب العسل غير المختومة، ويملأ بطونه منها، وبذلك يصبح التعامل معه أسهل، إذ يميل إلى الهدوء أكثر على الأقراص، وربما يصبح طيعاً حين تكون المعدة ملأى بالعسل، فربما كان يجد نوعاً من الصعوبة في تقويس البطن ليأخذ وضع اللسع، بسبب امتلاء المعدة بالعسل. لا أحد يعرف بالضبط السبب أو ردة فعل النحل، لكنه يصبح أكثر هدوءاً، ويسهل التعامل معه لدى استخدام المدخن بحرص. يجب أن يكون الدخان بارداً، واستخدام أقل ما يمكن منه.
ارفع الغطاء الداخلي باستخدام العتلة، فغالباً ما تجد شيئاً من الصعوبة في رفعه، نظراً لأن النحل ألصقه على أعلى الأطر باستخدام البروبوليس ( العكبر). دخِّن على قمة الأطر، وتأكد من أن الملكة تحررت من القفص، وإذا لم تكن كذلك، قم بتحريرها، وأخرج القفص المعلق خارج الخلية. بعد ذلك ارفع أحد الأطر من المركز في المكان المقابل لمكان قفص الملكة، فإذا شاهدت بيضاً أو يرقات، فهذا يعني أن الملكة موجودة، وقد بدأت وضع البيض، عندئذ لا تبحث عنها. أعد الإطار، والغطاء الخارجي، ثم الغطاء الداخلي بالسرعة الممكنة، ولكن بحركات هادئة.
بعد ثلاثة أسابيع من يوم إسكان النحل، قم بإجراء فحص آخر. تأكد من وجود المحلول السكري في كل فحص تجريه للخلية، وأعد ملأه إذا كان شبه فارغ. تأكد أيضاً من وجود الملكة، كما فعلت في الفحص السابق. فخلال هذه الفترة ( ثلاثة أسابيع) يجب أن تكون هناك كمية لا بأس بها من الحضنة المختومة في الأقراص. لا تحاول تغيير مكان أي من الأطر في الخلية في هذا الوقت، ففي نهاية الأسبوع الثالث من إسكان النحل، يكون عدد النحل أقل من أي وقت أخر في الخلية. فبعض النحل الذي تم شحنه مات دون أن تنتج الطائفة نحلاً جديداً فتياً ليأخذ مكانه. وفي نهاية الأسبوع الرابع يكون النحل الفتي في الخلية قد بدأ بالخروج من نخاريبه، وفي نهاية الأسبوع الخامس يزيد عدد النحل الجديد الفتي أكثر، واعتباراً من الأسبوع الخامس من إسكان النحل، يزداد عدد الشغالات بسرعة.
يجب إجراء فحص آخر للخلية خلال الأسبوع الخامس، والتأكد من وجود وعمل الملكة، ومن توسع عش الحضنة، إضافة إلى التأكد من سحب النخاريب على الأساس الشمعي بشكل جيد. وكمساعدة للنحل، انقل الأطر التي لم يتم سحب (مط) نخاريبها إلى ما بعد عش الحضنة. احذر من نقله إلى داخل عش الحضنة، إياك أن تدخل إطاراً غير مسحوب داخل عش الحضنة، لكن يمكنك وضع مثل هذا الإطار بجانب العش فقط. وإذا كانت الأطر المكونة للعش متباعدة، كان هناك خطر على اليرقات من البرد، إذا وقع، وتغير الطقس.
مع نهاية الأسبوع السادس يكون إزهار الفاكهة قد انتهى، وبدأ إزهار المحاصيل، كالنفل مثلاً. عندئذ، يفضل التشاور مع جار لك من النحالين، لينصحك، حسب خبرته، بالمكان المناسب لترحيل النحل في نهاية هذا الأسبوع. لأن الأزهار تكثر، ويمكن للنحل أن يجد المصدر الطبيعي للحصول منه على الرحيق. فإذا كنت في شك من استمرار التغذية، دع النحل يقرر، فهو الذي يتوقف، وحده ودون تدخل منك، عن تناول المحلول السكري حين تتوفر له مصادر أخرى طبيعية.
وهكذا تكون قد أصبحت لديك طوائف نحل كاملة النمو، قابلة للنشاط وجمع العسل، تقوم بجمع الرحيق من الأزهار، وتنقله إلى خلاياها، وتحوله إلى عسل، وتقوم بتخزينه للشتاء القادم. فإذا كان الموسم جيداً، خزن النحل ما يزيد عن حاجته من العسل خلال فصل الشتاء. عندئذ تكون النحالة شريكة في محصول العسل، ويكون النحل جاهزاً لقضاء فصل الشتاء من عمله.
وبسبب عمل النحال، وما تكبد من تجهيزات ومعدات، وما بذل من جهد، يحق له أن يأخذ حصته من العسل، ويستمتع بها.
المهندس دريد نوايا
(من كتاب دروس أولى في فن النحالة)
ملاحظة: يقدم الموقع خدمة تدريب وتأهيل النحالين في مختلف علوم تربية النحل وطرائق إنتاج منتجاته الستة في المناحل السورية – اكتب إلى:
info@duraidnawaya.com