مقدمة

كانت الغاية من إنشاء هذا الموقع، منذ البداية، الخدمة العامة بالدرجة الأولى، إضافة إلى بعض من سيرة حياة، ربما كانت غنية إلى حد ما، ومفيدة في بعض جوانبها.

فقد شغلني موضوع تربية الطفل، منذ أن قررت تكوين أسرة، لذلك أعطيت جزءاً لا بأس به من اهتمامي للاطلاع على أفضل السبل، لتنشئة أولاد متميزين، ليكونوا مواطنين يستحقون هذا الوطن الجميل. وقد نجحت إلى حد كبير في ذلك، فهاهي ابنتي تتألق في عالم الإعلام، وهاهو ابني يشق طريقه في العلم والفن، بحيث أستطيع القول بكل فخر: هكذا ربيتهما، وهكذا أصبحا كما أردت، يشهد كل من عرفنا بتميز هذه الأسرة الصغيرة بعددها، الكبيرة بإبداعها، وهذا ما يثبت صحة التوجُّه، ووضوح الرؤية.

أقول: شغلني موضوع تربية الأولاد، منذ أن عرفت بحمل زوجتي للمرة الأولى، وكنا نقيم في بلد أجنبي، فرُحتُ أطالع نوعاً جديداً من المجلات، أذكر منها:

  • Right Starting.
  • Parents.
  • Family.
  • Under Five.

وغيرها من المجلات في نفس الموضوع. كنت أود أن أكتشف السر في نجاح الأجانب في تربية أولادهم، على أنني أعرف الكثير من أسباب إخفاقنا، عموماً، في هذا الشأن. فقد شاهدت بأم العين الأم التي تتوقف لحظات في الطريق بينما يقوم صغيرها بتمزيق “البوسترات” التي يقوم بلصقها شاب، كدعاية لمعرض تشكيلي، وشاهدت الأطفال التي تحاول بكل قوّتها أن تخلع شجرة صغيرة زُرعت للتو على قارعة الطريق، وشهدت مَن يلقي بكيس القمامة على باب البناية، على بُعد أمتار من الحاوية، وما أكثر المناظر المؤذية في بلادنا!

مهما حاولنا التبرير، سيأخذ الأولاد الكثير من طباع الأهل، وما يبدو صغيراً اليوم، سيكبر كثيراً في المستقبل. كانت الخطوة الأولى أن يتعلم الطفل الصدق، وما أصعبه في مجتمعنا! فالكذب ملح الرجال كما يقولون. لكنّ للصدق شروطاً أهمها الشجاعة في قول الحق، فكيف لمن يخشى العقوبة أن يصدق؟؟!!

نحن نبدأ تكوين الأسرة بالكذب.. حين يسأل الشاب من ستكون خطيبته، وربما زوجته، عن علاقاتها السابقة، إنما يقودها إلى الكذب رغماً عنها، فإذا ذكرت له أنها ابتسمت يوماً، منذ سنوات، لشخص أحبته، ربما غيّر رأيه بها، هو يريد في قرارة نفسه أن تكذب عليه، ويساعدها على ذلك، بل يشجعها عليه.

وتجبر المرأة زوجها على الكذب، حين يُقسم لها أنه لم ينظر إلى امرأة أخرى منذ أن ارتبط بها، حتى علاقاته السابقة لم تكن سوى خيال بخيال. تضطر المرأة أيضاً أن تخفي إعجابها بنجم من نجوم الفن أو السياسة أو الإعلام، ممن يملؤون الشاشات الصغيرة، التي دخلت كل بيت، وكذلك يفعل الرجل.

آفة الكذب تجر جميع الآفات الأخرى، لكنّ تجاوزها ليس بالأمر السهل. لنكن واقعيين: مَن منّا، نحن معشر الرجال، لم يُعجَب بامرأة أخرى غير زوجته؟ إذا أجابني أحد: أنا، سأقول له إنك كاذب. والمرأة كذلك.

ما يؤاخَذ عليه الإنسان، رجلاً كان أم امرأة، هو ما يفعله، لأنه يستطيع السيطرة على الفعل، والابتعاد عنه، أما ميل القلب فلا سيطرة له عليه، وهذه حقيقة واقعة، يكذب كل من يدّعي بغيرها.

تعلّم ولداي أن الصداقة ممكنة بين الجنسين، وبأن الأقرباء والقريبات إخوة وأخوات، وأن الأخلاق فوق كل اعتبار، والصدق أهم الخصال الحميدة. وما لمساه نظرياً لم يختلف ممارسةً. وتعلموا أن المال في آخر الاهتمامات، والحاجة إليه لحفظ الكرامة، ولم يكن هدفاً في يوم من الأيام، وأن الإنسان لا يكبر شأنه بفخامة البيت، والمظهر الخادع، والسيارة الفارهة، فاتجها إلى العلم بقناعة تامة.

لم يعرف بيتنا القمع، وكانت العقوبات في حدها الأدنى الهادف، وليست لدينا قائمة بالممنوعات، ولم أسمح لأحد، مهما علا شأنه، أن يهين أحداً منهما، ولم أعلِّمهما تقبيل اليد، فالقُبلة لا تكون إلا على الوجنة والجبين والرأس، وعلى هذا الرأس أن يظل مرفوعاً كدليل على الشخصية القوية القادرة على اتخاذ القرارات، والتصرف المسؤول في المواقف المختلفة.

لقد كانت رقابتنا غير مباشرة، وأوامرنا تتخذ شكل الرأي، لا إلزام فيها، وكانت هناك ثوابت رسخت في ذهنيهما:

  • لا نريد ما ليس لنا، مهما كان الإغراء شديداً.
  • ما نستحي من ذكره أمام الناس، لا نفعله أصلاً.
  • العلم هدفنا ووسيلتنا، وناظم أخلاقنا، ومبرر وجودنا.
  • القراءة والاطلاع طريقنا إلى المعرفة، وصقل الشخصية، والتميز.
  • الشجاعة والجرأة، كردبف للصدق، أسلوب تعاملنا مع أنفسنا ومع الغير.
  • نتصرف مع الآخرين بما نقبله على أنفسنا من الغير.
  • لكل تصرّف مبرراته، ولا حاجة لأي عمل يفتقد إلى المبررات.
  • العقل هو الحَكَم، ولا شيء محرَّم على البحث والنقاش والتفكير.

إلى آخر المنظومة الأخلاقية التي ترسخت في الوعي، وتحوّلت أسلوباً للحياة.

لا أستطيع إثبات مراجع لهذه المقالات، فقد جُمِعت، وحُرِّرت، وصيغت من مصادر متعددة، ربما كان للإنترنت النصيب الأكبر منها. أرجو أن تكون مفيدة لكل من يقرؤها، ويجد فيها ما يبحث عنه.

دريد نوايا

Comments are disabled