وداعاً علي رمضان..

  • – مساء الخميس 14 شباط (فبراير) 2008، في السابعة والربع مساءً، يتلفن أبو مأمون “المهندس على رمضان”، أسأله: هل استمعت إلى خطاب القائد حسن نصر الله اليوم في وداع القائد عماد مغنية؟
  • – يجيبني: لا، لكن لا تقل لي شيئاً مما قاله، سأستمتع بإعادته في البيت مساءً حين أعود.

ويضيف: بعد ساعة سأكون عندك….

في الثامنة والربع:

  • – “أبو مأمون” آتٍ إلينا.. ويبدو أن زحمة المواصلات أخّرته قليلاً…

وضعت إبريق الشاي على النار.. غلا الماء.. أضفتُ الشاي عليه وغطَّيتُه.. لكن “أبا مأمون” لم يصل..

تجاوزت الساعةُ التاسعةَ، وشربنا الشاي وحدنا، لم يتخلف “أبو مأمون” عن موعد من قبل، وكان في الأشهر الأخيرة يزورني بشكل شبه يومي، نقرأ الشعر والأعمال الكتابية الأخرى، نتحاور في كل شؤون الحياة، من السياسة إلى العلم، إلى الأدب، إلى مختلف العناوين الأخرى.

صباح الجمعة 15 شباط (فبراير)، التاسعة صباحاً:

“لونا” ابنتي تركض نحو المطبخ باكية، تحاول أن تخفي صوت بكائها.. أمها “فاتن” تصحو من النوم وتلحق بها لتستطلع الأمر.. أسمع بكاء الأم وابنتها وهما تنتحبان.. “رامي” ابني يسرع إليهما… أنهض لأستوضح ما جرى.. يسقط الخبر كالصاعقة على سمعي:

  • – عمو أبو مأمون.. العمر لك..

قالها “رامي” بأسى..

يخيم الوجوم على البيت.. فيما تنتحب الأم وابنتها، وتبكيان بكاءً مرّاً…

*         *         *

صداقة أسَرية ربطتنا بأبي مأمون وأسرته، واحد من الأصدقاء المقربين الذين أعتبر نفسي محظوظاً بصحبتهم، نحن نحب أصدقاءنا.. هكذا ربّينا أنفسنا.. عشنا البساطة في العلاقة.. والصدق في الحديث، والصراحة في التعامل.. والكرم والعطاء دون حساب..

*         *         *

ماذا حدث يوم الخميس؟

أغلق “أبو مأمون” مكتبه، وحمل لوازم بيته، وانطلق نحو بيتي بعد أن وعدني.. استقل وسيلة نقل عامة، ثم أخرى، وكان كل شيء على ما يرام.. وقبل حوالى مئة متر من بيتي وقع “أبو مأمون” على أرض “المايكروباص”، فأسرع السائق إلى المشفى القريب، وضجَّ باقي الركاب، خلال دقيقة أو أقل، لكن الرجل أسلم الروح قبل أن يُحمَل إلى المشفى.. ماذا حدث؟ موت فجائي.

*         *         *

أفتقدك أيها الصديق العزيز.. أسبوع مضى على رحيلك دون أن أسمع صوتك، أو أستقبلك، كنت تتحدث إليّ، أو أتحدث إليك عدة مرات كل يوم عبر الهاتف، وكنتَ تزورني بشكل شبه يومي. ليتك تروي لي كيف تكون الإقامة تحت التراب! ليتك تخبرني بما حدث لك بعد أن ألقيت بجسدك بعيداً عن روحك! وما هي حقيقة ما يحدث بعد الموت؟

من التراب.. إلى التراب..

هل من حقيقة أخرى غيرها؟؟؟؟

إذاً لم تستمع إلى خطاب سيد المقاومة حسن نصر الله، ولم تشاهد عرس شهادة القائد عماد مغنية مودَّعاً بالفخر والوفاء والهامات المرفوعة كما أرادها، بشموخه الذي أدهشك وأنت تشاهد صورته، للمرة الأولى..

أفتقدك صديقاً صدوقاً وفياً أنيساً كريماً نادراً في زمن رديء..

دريد نوايا

Comments are disabled