إنتاج الغذاء الملكي

الغذاء الملكي هو الإفراز الغُدّي للغدد الرأسية والبلعومية في الشغالات الفتية، التي يبلغ عمرها بين ستة أيام واثني عشر يوماً، ويُطلق عليها “النحلات المُرضعات”، كونها متخصصة بتغذية الملكة بهذا الغذاء الملكي، طيلة مدة حياتها. كما يقدَّم هذا الغذاء لليرقات الصغيرة في خلية النحل، دون استثناء، حتى اليوم الثالث من العمر اليرقي.

من المؤكد أن هذا الغذاء الملكي يلعب دوراً رئيسياً وهاماً في نمو يرقات الملكات، لتصبح إناثاً خصبة ذات أجهزة تناسلية كاملة، كبيرة الحجم، وتتمتع بعمر طويل قد يصل إلى أكثر من ست سنوات، بينما لا يتجاوز عمر الشغالات في فصل العمل أكثر من 45 يوماً.

لقد استرعت هذه المادة اهتمام الكثير من العلماء والباحثين، وعلى رأسهم العالِم الهولندي ٍSchwamerdam في القرن السابع عشر، وجرى عليها العديد من الدراسات، وبالرغم من ذلك مازال الغموض يحيط بكثير من تركيبها الكيميائي، وخصائصها الحيوية، وقد دخلت في السنوات الأخيرة الأسواق التجارية، كأحد أهم منتجات النحل.

يُعتقَد بأن الحصول على الغذاء الملكي عملية سهلة، طالما أن اليرقات كلها تنمو وتتغذى على هذا الغذاء، لكن الكميات التي تعطيها الشغالات المرضعات لهذه اليرقات قليلة جداً، لهذا فإن جمعها يكون مستحيلاً، إلا أن كمية الغذاء الملكي المتوضعة في البيوت الملكية لا بأس بها، وتفوق كثيراً احتياجات اليرقات، وهذا ما يسمح بجمعها.

تعتمِد الطريقة المتَّبعة في إنتاج الغذاء الملكي على جعل الطائفة يتيمة، وذلك بنزع ملكتها، فتقوم الشغالات ببناء البيوت الملكية فيها، مبعثرة على الأقراص (وهذا ما يتبعه النحال المبتدئ، وذلك في الحصول على عدة غرامات من الغذاء الملكي لسد حاجة عائلته).

لكن الإنتاج التجاري للغذاء الملكي يعتمد على إحدى الطرائق الاصطناعية لتربية الملكات، التي تتمثل باستخدام كؤيسات شمعية أو بلاستيكية، كما هي الحال في طريقة Dollittle Pratt، فتُترك هذه الكؤيسات لفترة بعد تطعيمها باليرقات الصغيرة من عمر 12 إلى 36 ساعة، في طائفة يتيمة (نُزِعت الملكة منها) قوية، وبعد 2.5 – 3 أيام، وخلال هذه الفترة، تقوم الشغالات المرضعات بتربية هذه اليرقات، ومدِّها بالغذاء الملكي، يُرفَع الإطار من الخلية، وتُنزع اليرقات من الكؤيسات، ثم يُجمَع الغذاء الملكي منها، وبهذه التربية الاصطناعية يمكن الحصول على 200 – 300 ميليغرام من الغذاء الملكي، من كل كؤيس، وفي كل مرة.

الوقت المناسب لإنتاج الغذاء الملكي:

الفترة الطبيعية لإنتاج الغذاء الملكي هي بداية الربيع، أي بداية آذار (مارس)، وذلك في المناطق الساحلية، بينما يمكن البدء بإنتاج الغذاء الملكي في المناطق الداخلية بين شهري نيسان (أبريل) وأيار (مايو)، ويمكن إنتاج الغذاء الملكي على طول العام في المناطق الدافئة، كما يمكن إنتاجه في الخريف، لأن الملكات الملقَّحة في أكتوبر (تشرين الأول) تعطي جيشاً كبيراً من النحل الحاضن قبل الشتاء، وحضنة كبيرة في بداية الربيع.

علينا أن نتحاشى إنتاج الغذاء الملكي في الطقس البارد، وبذلك تتوقف تربية الملكات لأن درجة الحرارة المثالية لتطور يرقات وعذارى هذه الملكات هي 33 مئوية، ولا يستطيع النحل الحاضن أن يغذي هذه اليرقات، بإفراز الغذاء الملكي إذا كانت درجة الحرارة الخارجية أقل من 18 مئوية.

للحصول على غذاء ملكي ذي نوعية ممتازة، يتطلب من النحال المعرفة التامة بحياة الحضنة في منطقته، ومعرفة السلوك الاجتماعي لنحله.

إذا كان مناخ المنطقة التي يقيم فيها النحال ممطراً خلال فترة إنتاج الغذاء الملكي، عليه أن يمتنع عن الإنتاج. أما إذا كانت المنطقة حارّة وهادئة دون تغيير مفاجئ في درجات الحرارة خلال فترة إنتاج الغذاء الملكي، فإن لديه حظاً وافراً بالنجاح.

الأدوات المستعملة في إنتاج الغذاء الملكي

أولاً: الأدوات اللازمة لإنتاج الغذاء الملكي:

ذكر Perret ورفاقه في مؤلفه “تربية النحل الكثيفة وتربية الملكات” ما لا يقل عن عشرين طريقة مختلفة، يقود بعضها إلى تعقيدات لا يمكن استخدامها حالياً. لكن من الواجب تسهيل العمل إلى أقصى الحدود، وبشكل تكون معه هذه الطرائق سهلة التطبيق من قِبَل النحالين، ومن أدوات إنتاج الغذاء الملكي ومستلزماته:

إبرة التطعيم:

هي عبارة عن أداة على شكل إبرة معقوفة النهاية، تُصنَع من المعدن، وتسمح بأخذ اليرقة الصغيرة بعمر 12 – 36 ساعة من قاع العين السداسية، لنقلها إلى الكؤيس الشمعي أو البلاستيكي. يمكن للنحال الناجح والمتمرِّس أن يصنع هذه الأداة، وهو عمل دقيق وسهل التنفيذ. تكون نهاية إبرة معقوفة على شكل زاوية شبه قائمة، للتمكن من إدخالها ذاخل العين السداسية، ويمكن إدخال طرفها المسطَّح تحت اليرقة دون جرحها.

يتوفر من إبرة التطعيم عدة أنواع في الأسواق، لكن أسعارها مرتفعة بعض الشيء.

القلم الخشبي:

هو عبارة عن قطعة من الخشب القاسي، أسطوانية الشكل، طولها حوالى 10 سم، ملساء جداً، واستدارة نهايتها 5 مم، نزيد سماكتها تدريجياً لتصبح عند ارتفاع 1 سم حوالى 8 مم. إن الهدف من استعمال هذه القطعة من الخشب هو القيام بتوسيع بعض الأعين السداسية الحاوية على يرقات فتية، على أطر الشمع، وذلك لحثّ النحل على بناء البيوت الملكية فوق هذه الأعين الموسَّعة، بدلاً من بنائها لها بمجموعات قليلة، وبشكل مبعثر عشوائياً. كما تسمح هذه الأداة للنحالين بعمل الكؤوس الشمعية، بدلاً من شراء الكؤوس البلاستيكية.

المُجوب:

هو أسطوانة صغيرة تشبه الزنبة، التي يمكن بواسطتها أن تُقطَع العين السداسية الحاوية على اليرقة المختارة، قبل القيام بتثبيتها في الكؤيس. وتستخدم هذه الأداة من قِبَل النحال المبتدئ الذي يتهيَّب عملية التطعيم.

الكؤيسات:

عبارة عن قواعد يتم بناء بيوت الملكات عليها، يقوم النحال بصناعتها من الشمع أو من البلاستيك، أو يحصل عليها من الأسواق. وتتم صناعة الكؤيسات الشمعية بالطريقة التالية:

يجب أن يكون الشمع المستخدم في صناعة الكؤيسات الشمعية خالياً من العكبر (البروبوليس)، وذلك لاحتوائه على مواد مثبطة لبناء البيوت الشمعية.

كم يستخدم لهذا الغرض الشمع الناتج عن كشط العيون السداسية (Vuillaume, lavie 1958)، الناتج عن عملية فرز العسل. وفي حال عدم توفره، تُستخدم الأساسات الشمعية.

يحضَّر قلم صناعة الكؤوس الشمعية، ويُغمَس في الشمع المنصهر عدّة مرات، وعلى ارتفاع 10 – 12 ملم، وذلك للحصول على كؤيسات شمعية كثيفة ثخينة الجدران، ثم تغطس الكأس وتُوضَع في الماء البارد، ثم تُحرَّك يميناً ويساراً، وتُنزع عن القلم. يمكن تحضير مئات من الكؤوس الشمعية قبل البدء بعملية التطعيم، وإذا استخدمنا الكؤوس البلاستيكية، يُراعى قبل البدء بعملية التطعيم فيها، أن تُدخَل إلى خلية نحل لمدة 24 ساعة، بهدف إكسابها رائحة النحل، ليتقبَّلَها النحل بسرعة.

عوارض تثبيت الكؤوس:

هي عوارض خشبية بعرض 25 مم وسماكة 7 – 8 مم، يعادل طولها الطول الداخلي لإطار الخلية الذي يحمل هذه العوارض. يمكن أن يحتوي الإطار الواحد على 2 – 3 عوارض، يثبَّت على كل عارضة 15 – 20 كؤيساً، وتغطى هذه العوارض بطبقة من الشمع المنصهر بسماكة 2 مم، وذلك لسهولة تثبيت الكؤيسات الشمعية عليها.

أطر حاملة عوارض الكؤوس الشمعية:

هي أطر عادية (لانغستروث أو دادانت) ولكن يفضل بناء إطار أو أكثر بحيثُ تكون فيه الدعامات العمودية مدعَّمة ومفصلة في خشب سماكته 18 – 20 مم، نقوم بعمل أخاديد أفقية على هذه الدعامات، ثلاثة على كل ركيزة، وذلك كي نتمكن من إدخال عوارض تثبيت الكؤيسات الشمعية.

يعتبَر وجود عارضتين خشبيتين كافياً لانخفاض الإطار في خلية لانغستروث، ولكن وضع 3 عوارض في خلية دادانت، وبمعدل 15 – 20 كؤيساً على كل عارضة، ويكون مجموع الكؤيسات المراد إدخالُها وجعلها مقبولة بحدود 60 كؤيساً للإطار الواحد. لكن هناك نقطة هامة: “كلما زاد عدد الكؤيسات قلّ محتوى كل منها من الغذاء الملكي، ويبدو أن هناك سقفاً معيناً لا يمكن تجاوزه من أجل عدد محدد من الشغالات المغذِّية”.

حاجز الملكات:

هو عبارة عن أداة متممة، لكنه ضروري، ليس فقط من أجل تربية النحل، ولكن بصورة خاصة من أجل إنتاج الغذاء الملكي، ببعض الطرائق التي ستُذكر في ما بعد، ولا يحتمل أن تكون هذه الأداة سيئة في تربية النحل وإنتاج الغذاء الملكي. وهي أداة دقيقة، تحمل قضباناً معدنية مستديرة، ذات قطر واحد، والمسافة بين كل قضيب والقضيب المجاور تتراوح بين 3.8 – 4.2 مم، هذه المسافة لا تسمح بمرور الملكة فقط، لكنها تسمح بمرور النحل الحاضن، لذلك من الضروري استعمال حواجز متقنة الصنع، يفضل أن تكون محاطة بإطار. وأن تكون مصنَّعة بشكل آلي لا يتبدل شكلها، ويمكن استعمالها إما بصورة عمودية أو أفقية، وذلك حسب الأدوات والطريقة المتَّبعة في ذلك.

النويَّة البادئة:

هي خلية صغيرة (صندوق طرد) أعدَّت لاستقبال الكؤيسات المطعَّمة حديثاً في المخبر، يحتوي هذا الصندوق على حوالى 2.5 كلغ نحلاً حامضاً، كما يحتوي على إطار عسل وإطار طلع، ومجهَّز من الأعلى بغذّاية. يسمح هذا البادئ باستقبال اليرقات المطعمة في الكؤيسات لكي لا تجف لحين وضعها في الخلية المتمة.

مستلزمات إنتاج الغذاء الملكي

صندوق الطرد:

يعرف جميع النحالين المحترفين هذا النوع من الخلايا، ويسمى صندوق الطرد، أو صندوق السفر. هذا النوع من الخلايا الصغيرة، والتي بداخلها يمكن بسهولة إيجاد الظروف المناسبة لتكتّل النحل، وتوفير درجة الحرارة المناسبة تماماً لإنتاج الغذاء الملكي. ومنذ لحظة تزويد علبة الطرود بكمية كبيرة من النحل، فإنها تسمح بقبول العديد من البيوت الملكية.

يمكن لصندوق الطرد أن يتسع لخمسة أطر أو ستة، ويتألف قاع الصندوق من أرضية ذات فتحة كبيرة مستطيلة (25 × 10 سم تقريباً) مزوَّدة بشبك معدني، ويمكن إغلاقها عند الضرورة بواسطة زلاقة، وهذه تمتد قليلاً إلى الأمام لتشكل لوحة الطيران، لهذا يحتوي جدار العلبة الأمامي على فتحة دائرية قطرها 20 مم، تغلَق بمصراع صغير في حال وجود هذا الثقب أو الفتحة، فإنه من الممكن تهيئة مدخل لهذه العلبة كما هي الحال في جميع الخلايا، وتغطّي هذا الصندوق قطعةٌ مستطيلة من الخشب تسمى الغطاء الداخلي، ويحتوي هذا الغطاء على ثقب للعناية.

الخلايا المعدَّلة:

هي خلايا أُجريت عليها بعض التعديلات لتلائم إنتاج الغذاء الملكي حسب طرائق إنتاج النحالين، وسوف نقسم هذه الطرائق إلى مجموعتين:

  1. طرائق الإنتاج بالاتساع العمودي:

هي الأكثر سهولة، لأنها لا تتطلب الأدوات الموجودة، ونستعملها منطلقين من مبدأ أنه عندما يفصل الطابق السفلي من خلية بفراغ يزيد عن 27 سم عن الطابق العلوي، وذلك بوضع عاسلة مليئة بالعسل أو فارغة، معترضة هذين الطابقين، وفي أغلب الأحيان دون وضع حاجز الملكات، فإن شعور شغالات النحل (التي تعنى بالحضنة الموضوعة في الطابق العلوي) باليتم، يدعوها أن تبدأ بتربية الملكات. ويمكن لجميع الخلايا أن تتلاءم معها، ولكن تفضل الخلايا ذات الأطر العالية، أو العالية نسبياً مثل خلايا دادانت، أو فوارنو.

  1. طرائق الإنتاج بالاتساع الأفقي:

يقوم بها المحترف من النحالين، وهي بدورها تقسم إلى نوعين:

آ – خلية لانغستروث أو دادانت ذات الحواجز: إذا قسمت خلية إلى جزأين بحاجز ملكات عمودي، تكون الملكة في أحد الطرفين، أما النحل ففي الطرف الآخر من الحاجز، فيظن النحل أنه يتيم، ويبني البيوت الملكية.

ب – الخلية ذات الحجرات المتعددة: وهي خلية أفقية، لكن أطرها من قياس نموذج لانغستروث أو دادانت أو فوارنو، ويمكن تقسيمها إلى عدد من الحجيرات المُحكمة جيداً، حسب رغبة النحال. إن الإحكام هنا ضروري جداً، سواء أكان على الجوانب أم في الأعلى، وبدون ذلك، فإن وجود الملكة يوقف تربية البيوت الملكية في الحجيرة المجاورة.

يتم تقسيمها بالشكل التالي: 3 حجيرات تضم كل منها 10 أطر، مع وجود حواجز ملكية مُحكَمة. يُترك القسم الأوسط لتربية الملكات وإنتاج الغذاء الملكي، بينما تبقى الحجرتان الطرفيتان تعملان. ولا يتعارض ذلك مع إنتاج الغذاء الملكي، ويمكن وضع عاسلة فوق كل خلية طرفية. هذه الطريقة تسمح بإنتاج الغذاء الملكي بشكل مستمر، وغير منقطع في أفضل الشروط.

وفي النهاية نقول من أجل الوصول إلى نتائج إيجابية في إنتاج الغذاء الملكي، يجب أن تجتمع مجموعة من الظروف المناسبة، وهي:

  • الطقس: يلعب دوراً كبيراً في عملية الإنتاج، فالمناطق التي تتميز بجو مستقر وحرارة ثابتة، تعتبر أفضل من المناطق ذات الطقس المتغير لإنتاج الغذاء الملكي.
  • السلالة: وهي واحدة من الشروط الأساسية للنجاح. فالسلالة المحلية، مع بعض الاستثناءات القريبة، هي بصورة عامة قليلة الإمكانية في إنتاج الغذاء الملكي، أما السلالة القوقازية فيمكن الحصول على 350 – 400 ملغ من البيت الملكي الواحد.
  • عمر الغذاء الملكي: لدى جمع الغذاء الملكي، يكون عمره نفس عمر اليرقة المغمورة فيه. والحالة هذه، فإننا نعلم بفعل التحاليل الدقيقة أن تركيب الغذاء الملكي يتغير يومياً حسب عمره، ويكون أفضل تركيب يمكن الحصول عليه بعد 2.5 – 3 أيام كحد أقصى. ومن المعلوم أنه بدءاً من اليوم الثالث يصبح الغذاء الملكي أقل احتواءً على العناصر البيولوجية الأساسية، لذا يراعى عند اختيار اليرقات للتطعيم أن تكون بأصغر عمر ممكن.

الدكتور عصام المغير

جامعة حلب

كلية الزراعة الثانية

دير الزور

Comments are disabled