غصن الزيتون

من الدفتر العتيق

تعوَّدَ قلبيَ المجنونُ أن يهوى

وأن يستلهِمَ الأشعارَ من أحلامِهِ النّشوى

فأسلمَ حبَّهُ الأوّلْ

لأوَّلِ عابرٍ في الدربِ

سافرَ في عيونِ المدِّ

ينثرُ حولَهُ الصّحوا

وكنتُ لحينِها طفلاً

أحبُّ أبي وأمّي

كنتُ أفرحُ كلّما اشتريا ليَ الحلوى

حسِبتُ حبيبتي الأولى عروسة سكَّرٍ تؤكَلْ

كتبتُ لها من الأشعارِ ديوانَيْنِ

بالأوهام والنجوى

ولمّا جاءَ خاطبُها..

وألبسَ جيدها الفيروزَ والمخملْ

ضحكتُ لأنّها خُطِبتْ

بكلِّ براءةِ الأطفالِ..

لم أفرحْ،

ولم أغضبْ،

ولم أسألْ

ولم أندبْ لأيّامي

وقيلَ بأنّها كبرتْ،

وصارتْ أمَّ أطفالٍ

وحتى طَوقُها المخملْ

تقطَّعَ بعد أعوامِ

*

وحينَ أتيتُ مغترِباً..

إلى بلدِ السُّكارى..

والمدى المُقفَلْ

وأعمتْني خطوطُ اليأسِ

عن إبصارِ صِفرِ البدء..

وارتسمتْ على دربي خطوطُ الشَّكِّ

                             والشكوى

شعرتُ بأنني أمشي إلى أعماقِ لا جدوى

وأنّ العمرَ مهزلةٌ

وأنّ العيش للأقوى

*

ودارَ الدهرُ في أفُقي..

ودارَ.. ودارْ..

ولم أحملْ منَ الأيّامِ إلا هيكلَ التذكارْ

وقفتُ على مشارفِ عمريَ المتعَبْ

أُنجِّمُ في حصى الساعاتِ..

تملأُ رأسيَ الأفكارْ

كبرتُ.. تفتَّحتْ عينايَ للدنيا

وعشتُ قضيّةَ الإنسانِ ضمنَ دوائرِ الإبحارْ

بكلِّ مرارة الرؤيا

وآثرَ قلبيَ المجنونُ أن يحيا

*

وجئتُ إليكِ منطفئاً مع الأشعارْ

تتوِّجُ حبّيَ العذريَّ رغبةُ عاشقٍ متوثبٍ..

                       يترقَّبُ اللقيا

وأنتِ كمصحفٍ مُطبَقْ

كزنبقةٍ..

تُعِدُّ رحيقَها ليضوعَ في أبدٍ من الأبعادِ

زنبقةٍ..

تظلُّ أميرة الزنبقْ

وسرتِ إليَّ عفويَّهْ

ولم تدري بما يتحمَّلُ الرُّبّانُ والزورقْ

من الآلامِ والأحزانِ

والتسيارِ في المدن السرابيهْ

وكانتْ بسمةُ الإشراقِ تملؤني من الأعماقِ..

                         حينَ أراكِ ضاحكةً

مسافرةً مع السُّحُبِ الربيعيه

وأبدو راضياً بدقائق اللقيا

مسامحاً الحياة بكلِّ ما ضيَّعتُ من سفنٍ

على شواطئ عمريَ المسكونِ بالجُزُرِ خرافيهْ

فماذا حلَّ بالإشراقِ يا قَدَري؟

وماذا غيَّرَ الحالا؟

ومن يا ربّةَ الأحزان يسرِقُ منك بسمَتَكِ الطفوليهْ

ويرسمُ فوقَ هذا الوجهِ وشمَ الحزنِ

                           والصُّوَرِ الضبابيّهْ

لماذا أنتِ شاردةٌ؟

وماذا يا رحيقَ اللهِ

ماذا يشغلُ البالا؟

وأنتِ بِزهوةِ العشرينَ

يسجدُ في مداكِ الدهرُ

آباداً وآزالا

وتيجانُ الملوكِ تخرُّ راكعةً

                     على قدميكِ أجيالا

وصفرُ البدءِ يصبحُ في مدى عينيك

                       أبعاداً وأطوالا

وكلُّ الناسِ مسحورون في عينيكِ

شباناً وأطفالا

وشاعرُكِ الغريقُ القلبِ ليسَ أمام هذا الحُسْنِ

                                   تمثالا

ولم يُخلَقْ

ليُمضيَ كلَّ هذا العمرِ رحّالا

إلى أن يُدرِكَ المطلقْ

يحيِّرُني السؤالُ الشؤمُ:

ماذا غيَّرَ الحالا؟

فتجرحُ حَيرتي فيروز عبرَ الليلِ

                     والسُّحُبِ الشتائيّهْ:

“بعدها بعمر الهوى زغيره

“وقلبها بالحب طفل زغير

“مش عارفه في بالدِّني غيره

فأُدرِكُ ما وشى الواشي

وأنّكِ أنتِ صدَّقتِ

نسيتِ بأنني أهوى

وأن محبتي نوعٌ من الموتِ

وأن محبّتي لا تعرِفُ الأديانَ والقانونْ

وخيرُ معبِّرٍ صمتي

وأنكِ بعدُ مازلتِ

بزهوةِ عامِكِ العشرينْ

وأنك آخرُ العنقودِ في حُزني

وآخرُ مَن يعذِّبُني

ولن أهتزَّ بعد الآنَ

مهما اشتدَّ بي شجَني

وعلَّمَني نبيُّ اليأسِ آياتٍ

                    وأسمعَني

ورتّلَ سورةَ الأحزانِ في وَرَعٍ

                         على أُذُني

أظلُّ على مدارِ العمرِ

أعشقُ وجهَكِ الصوفيَّ يا وثني

حلب   آذار/ مارس 1971                   دريد نوايا

Comments are disabled