قلبي عرين للظباء.. وأنت نَوْرة أقحوان

من أين أَدخُلُ ظِلَّكِ القدّوسَ مُتَّشِحاً جنونَ هوايَ،

طالتْ رِحلتي

ميناءُ قلبِكِ أطفأ الأنوارَ دونَ مراكبي

فرَغَتْ جِِراري من نبيذِِ تَرَقُّبي،

وغدا انتظاري واحةً لليأسِ في صحراءِ هذا العمْرِ

ماذا خطَّ لي قدري؟

عيناكِ، أمْلأُ منهُما عينيَّ

يا وَلَهي بسحرِ اللحظِ!

يسكنُ وجهُك الفتّانُ ذاكرتي

وصوتُكِ ليس يبرَحُنيِ

*

مَنْ كانَ منّا سيِّدَ الإيقاعِِ؟

معترِفاً بفضلِ حضورِكِ الأخّاذِ

كنتُ أجوبُ مملكتي

وكانَ الضّوءُ يَصفعُ ليليَ المجنونَ

في صَلَفٍ تَجاوزَ حدَّهُ

أو هكذا أصغيتُ للريحِ النديِّ

يبوحُ مدَّعياً عُبورَ الغيبِ

فاستسلمتُ للقدرِ اللعوبْ

كانتْ جيادُكِ خارجَ المِضمارِ،

لا زالتْ كذلكَ تستحي خَوضَ الغمارِ،

وكانَ وجهُك مُبهَماً كالمعجزاتِ

وكان طيفُكِ خارجَ المألوفِ يجترِحُ التّحدي،

أيُّنا يجتاحُ ما لا يُبصرُ الخفاشُ؟

ما لا يستوي كالأُفْقِ فوقَ الماءِ؟

أو يرضى الهزيمةَ صامتاً

ما بينَ أمسٍ لا يعودُ

وبينَ مجهولٍ تعمّدَ بانتظارٍ لا يطولْ

*

قلبي عرينٌ للظِّباءِ

وأنتِ نَوْرَةُ أقحوانْ

وأنا مقيمٌ،

لستُ محضَ عابرٍ أرادَها محطَّةَ انتظارْ

ولستُ أمراً طارئاً،

أو عاشقاً يصبو إلى الجسدْ

أو حاكماً بأمره: أنا ولا أحدْ

من طينِ هذي الأرضِ جئتُ

حزمتُ أمتعتي

أتمتمُ هسهساتِِ الصمتِِ

أمضي ثم أمضي

قانعاً بالدفءِ يحمله الأثيرُ إليَّ من رحِِمِ التَّمنّي صبوةً

لكنَّ جائحةَ التأثُّمِ تلجُمُ الرّغباتِ

تُحبطُ ما توارى خلفَ جدرانِ الفضيلةِ من أسى

أأُديرُ خدّي بانتظار فضيلةٍ أخرى؟

كما قالَ المعلمُ

أم أذودُ عن الخيالِ الخصْبِِ يهزأُ بالوصايا العَشْرِ

أم ماذا أُجيبُ صبابةً تجثو على شبحِ السؤالِ؟

وليس تَبرحُ خاطري!

أهيَ الخطيئةُ؟

تستفزُّ مكامِنَ الطَّبعِ المُضَمَّخِ بالتمردِ

أم لِنازعةِ النُّزوحِِ دلالةٌ أخرى على أدبِ السموِّ؟

إلى متى؟

*

لا.. لستُ أُنكرُ رغبتي

شهِدتْ عليَّ دوائري الحيرى

وما فتئتْ تضيقُ على الترائبِ

غيرَ آبهةٍ بما خبّأْتُ في ما بينَها

مما سفحْتُ من الهواجسِ واتَّقيْتُ من الصَّبا

ما كنتُ أرغبُ أن أُنافسَ عاشقاً بلغَ الفطامَ وما حبا

شغفي بما حفِلتْ كُنوزُكِ فاقَ مقدرتي على كَبْحِ الجِماحِ،

مداكِِ قافلةُ النُّجومِ،

وأنتِ بارقةُ الخلاصِ،

عَدَوْتِِ عابرةً تخومَ العُمرِ،

تصطَنعينَ من عدمٍٍ سديماً للخلودِ،

تُقارعينَ شقاوةَ الرغبات بالصَّمت النّديِّ على شفاهِ الوردِ،

ترتعشينَ من فرْطِ الأنوثةِ،

لحظُكِ الفتانُ أحجيةٌ على وَلَهِ الوعودِ،

عَصَتْ على كلِّ الحلولِ،

وأَربكَتْ أُفقَ المدى

*

من أنتِ؟

يحترقُ السؤالُ على الشفاهِ،

يغورُ في دوامةٍ لا تنتهي

تتضوَّعينَ على الأثيرِ كما العبير على نُسيماتِ المساءْ

يتسمَّر الوعدُ الشهيُّ على شفاهِ الوردِ ملتبساً: متى؟؟؟

لا الصمتُ يخترقُ الغموضَ،

ولا المكانُ ولا الزمانْ

عبثاً أطارد ظلَّكِ الغافي على أفياءِ قلبي

أقتفي سُبُلَ التّمنّّي

شارباً ظمأَ السَّرابِِ إلى النّدى

ظمئي إليكِ يفوقُ خارطةَ التّشهّي

مدمناً عبقَ التضوُّعِ

حسُّكِ الأخاذُ يملؤني

عبيرُ لهاثِكِ المشتاقِ

يمخُرُ غَيْهَبَ الأشواقِ

في أعماقِ ما يطفو على الأعماقِ

أسألُ صمتِيَ الأعمى ويسألُني

متى؟ وإلى متى؟

من أين أدخلُ ظلَّكِ الصوفيَّ؟

يا خوفي على وثني!

*

عبثاً أحاول أن أجيز الرفضَ في ملكوت هذا الكونِ،

أدمنت التوجسَ خيفةَ الإذعانِ للمجهولِ

أُخفِقُ كلما أدركتُ ناصية الركونِ إلى الحقيقةِ

هاجسي عمق الرؤى

وألوب خلفَ توازني

ما بين زهد القصد في كنف السكون

وبين عاصفةِ الإرادةِ

شهوةِ الإٌصغاءِ للقلب المكبل بالقيودِ

تُرى أيُنكرُ عازف الإيقاع ساكنهُ؟

وقد أضناه من فرط التساؤل،

كلَّ ثانيةٍ يبيح دماءه للغير،

كلَّ دقيقة يطفو على قاعِ التبتُّلِ،

مالئاً أُصُصَ التناسي بالرضاب العذبِ

أو شغفِ البداية والنهايةِ

برزخاً خلع التشهي بين قوسينِ استباحا خلوة للذّاتِ

واستَبَقاه للذكرى على وتر تقطع راضياً

أو راغباً بالموت بين مساكبٍ النعناعِ

في صمتِ الدجى

*

أضع النقاط على الحروف،

وها أنا صمتٌ يصيحُ،

يفحُّ في غلواء قارعة الأماني

موقظاً شبحَ التحسُّرِ

ما عرَفتُ الآه في زمن التوجعِ

كنتُ عرّابَ التلاشي ساعةَ الترحالِ من زمنٍ إلى زمنٍ

وكنتُ أبيحُ أشرعتي لهوجاء الجموحِ

وكانَ لي ما أشتهي

لم أنتظرْ يوماً على بابٍ كبابك

مثقلاً بالحب دون الأمنيات،

ولا اجترحتُ عواطفاً ظمأى لزادٍ أو هوى

طابت لي الأيامُ حتى غرَّني شبحُ القوافي

واقتنصت طرائدي

لم أخلُ يوماً من يدٍ ربتت على كتفي،

أو احترقَت بنار موائدي

لكأنني، في بعض ما ألقاه،

أدفعُ بعض دَينٍ من سعير مواقدي

*

لا أدعي شرف النبوّةِ

أو أعضُّ على الأصابع نادماً!

لا.. لست معصوماً

فقد علَّقتُ أخطائي على صدري وسرتُ مجاهِراً

والشِّعرُ سيِّدُ ما فعلتُ،

وليس لي في ما ادَّعِيتُ سوى الصّدى

ماضٍ إلى قدَري

يشاغلُني انْطفائي بين أكوامِ المشاعرِ

ساعةَ الإصغاءِ للصمتِ الرَّتيبِ

مُدغدِغاً شغفي بما لازال ظلاً للرؤى

منذا يشاطرُني جنوني الخصبَ في ليلي الطويلِ

وقد نثرتُ مدائني العطشى على ساحات ذاكرتي، كما لا أشتهي؟

طال انتظاري..

لم يطُل..

مازلت أخطو نحو ما لم أدرِ خاتمةً لهُ

مازلت أحبو مُثقَلاً بالحُلْمِ أنشُدُ ظِلَّهُ

كلّي يطاردُ كلَّهُ

كلّي يطاردُ كلَّه

دريد نوايا

Comments are disabled