يوم الحرائق

خلال خدمة العلم، كضابط في القوى البحرية، كنت أقيم في اللاذقية، وكان التيار الكهربائي كثير الانقطاع في تلك الأيام. وكنت أستأجر شقة في طابق أرضي، له حديقة صغيرة تطل عليها نافذة الغرفة التي أستخدمها للقراءة والكتابة، وعملي الأصلي الترجمة، وبين يدي عمل كتابي.

في إحدى الليالي، وبينما كنت أعمل، انقطع التيار الكهربائي، فأشعلت عدداً من الشموع (7 – 8 شموع) وزّعتُها على الطاولة التي أعمل عليها، لأتمكن من متابعة العمل، وبعد قليل نهضت لتحضير فنجان من القهوة، فوضعت الركوة على النار، وخرجت للحديقة أنتظر غليان الماء.

نظرت إلى نافذة الغرفة من خلال الزجاج المحجّر، وقدَّرتُ أن النار التي أشاهدها أكثر من نار الشموع، فدخلت الغرفة لأجد الأوراق تحترق، فأسرعت لإطفائها، وبعد ذلك لتقدير (الخسائر) التي تكبّدتها جرّاء هذا الحريق، وكانت النتيجة مذهلة: كل ما احترق لم يكن مهماً، فحمدت الله لأن النار لم تتمكن من العمل الذي كان بين يديّ.

في اليوم التالي، كنت أتناول القهوة مع أحد الضباط الأصدقاء في الثكنة، ممن تزامنت فترتا دراستنا في الجامعة، فقال لي:

  • – حاولت الليلة الماضية أن أنام لكنني قلقت، فنهضت وجلست أمام التلفزيون، واشعلت سيجارة، ودون أن أشعر غفوت، فوقعت السيجارة على رجلي، واحترقت البيجامة التي أرتديها، فنهضت مذعوراً.

ضحكنا، ورويت له ما حدث لي في نفس الوقت.

في المساء، كان لدي موعد مع صديقي الروائي والناقد نبيل سليمان، صاحب دار الحوار، في بيته، فروى لي:

  • – الليلة الماضية، وبعد أن انتهيت من العمل وجدت نفسي غير قادر على النوم، فأشعلت سيجارة، وقررت الاستماع إلى شيء من الموسيقى، وخلال تشغيلي لمجموعة التسجيل، وضعت السيجارة على حافة السجادة ونسيتها، بينما كنت أستلقي على المقعد الطويل أستمع إلى الموسيقى، وحين نهضت وجدت السيجارة وقد احترقت وحرقت معها جزءاً من السجادة.

وأراني المكان المحترق، بينما كانت زوجته سميعة تحمل القهوة لنا، ولم تكن تدري بما حدث إلا في تلك اللحظة، فأسفت لذلك قائلة:

  • – لم ندفع ثمن هذه السجادة بعد!

ورويت له ما حدث لي ولصديقي الضابط في نفس الوقت تقريباً.

لم يكن ذلك اليوم يتسع للقاءات أخرى، ولو كان الأمر كذلك، ربما رويت الآن رواية رابعة، عن حريق رابع، لدى أحد الأصدقاء الآخرين.. فنحن هكذا.

Comments are disabled