دقيقة رهيبة من الزمن

قبل أكثر من ربع قرن من الزمن تعرضت لموقف لم يدم أكثر من دقيقة على ما أظن، لكنه كان دهراً، شعرت خلاله بالخوف، من المرات النادرة جداً خلال حياتي، فأنا لا أخاف بطبيعتي، ونادراً ما أفاجأ أيضاً.

كنت أمر في زقاق ضيق، ذلك الشارع الممتد بين عين الكرش وسوق ساروجة، لمن يعرف أزقة دمشق. حيث يقع هناك مكان للصم والبكم.

كانت الساعة تقارب الحادية عشرة والنصف ليلاً، وما إن وصلت قرب مكان “الصم والبكم”، شاهدت عدداً كبيراً من هؤلاء الشباب، يزيد عن عشرة، يتوزعون على جانبي الزقاق، فمررت بينهم بشكل عادي، لكنهم كانوا يتحدثون – بلغتهم الخاصة – بالإشارة والأصوات الغريبة، اعتقدت بأنهم يهزؤون مني، فبين هؤلاء الطرشان الذين يتقنون لغتهم، كنت أنا الأطرش المثير للضحك، وربما السخرية..

في الحقيقة شعرت بشيء من الرهبة، ورغبت بالخروج من الزقاق بسرعة دون التعرض لأحد. كانت هناك (وصلة) في الزقاق، أدخل بعدها في زقاق آخر يبدأ بالمرور تحت قنطرة، فاجتزت المكان “ببطولة وثبات”، وصرت في تتمة الزقاق الآخر.

لم أكد أخطو بضع خطوات، حتى شاهدت شخصاً قادماً باتجاهي، بعكس وجهتي، لكن، كانت هناك مسافة لا تقل عن 20 – 30 خطوة بيني وبينه. فجأة يدخل الزقاق من آخره (من سوق ساروجة) شاب على دراجة هوائية، يقترب من الشاب، الذي يقترب بدوره مني، فيضع يديه على عنق الشاب، وبدا لي يخنقه بيديه، وهو يلقي بالدراجة جانباً.

كنت بين الشباب الطرشان من الخلف، وبين شاب يخنق شاباً آخر من الأمام، يا لحظّي العاثر، حتى حين أكون شاهداً على جريمة، لكن ماذا سينجيني من هذا القاتل، وأنا شاهد واضح على ما يحدث.

تماسكت كعادتي في ظرف كهذا، وسرت بخطوات ثابتة، وكأن شيئاً لم يحدث، لكنني في الحقيقة شعرت بخوف حقيقي. وخلال لحظات، اكتشفت أن الشابين اللذين اعتقدت أن أحدهما يخنق الآخر من الشباب الطرشان أيضاً، وأن أحدهما يمزح مع الآخر. وما إن أصبحت على ثلاث خطوات منهما، حتى كانا يضحكان، ولا أدري ماذا يدور بينهما من حديث.

كل هذا حدث خلال لحظات، مرت وكأنها دهر..

Comments are disabled