كيف أسسنا “النشرة”؟

تعرفت بالمخرج الصحفي المبدع عون ممتاز في أول زيارة لي إلى نيقوسيا، وذلك في مجلة “الموقف العربي”، ويبدو أننا تبادلنا الإعجاب منذ اللقاء الأول، فبقينا على اتصال.

كان عون يفكر بعمل مستقل عن “الموقف العربي”، وذات يوم اتصل بي إلى بيروت، حيث كنت أقيم، وطلب مني الحضور إلى نيقوسيا لأنه يريدني رئيساً لتحرير مجلة يحضِّر لإصدارها تعنى بشؤون الكمبيوتر. وعلى الرغم من التزاماتي في بيروت، (خطفت رجلي) كما يقولون، وطرت إلى نيقوسيا لاستطلاع الأمر، وهناك تم الاتفاق على كل شيء، ووافق عون “أبو أدهم” على جميع اقتراحاتي.

في الحقيقة لم أكن أعلم شيئاً عن الكمبيوتر، كان ذلك في النصف الأول من عام 1983، لكنه أقنعني بأنه يريدني كـ”صحافي”، وليس كخبير في شؤون الكمبيوتر، كما عرَّفني بشخصين، أحدهما أميركي، والثاني لا أريد ذكر اسمه، فربما لا يريد ذلك، خاصة وأنني كنت رئيسه، كما اتفقنا، في العمل، وكان الفرق شاسعاً بيني وبينه في العمر والشهرة، لكنني أتفوق عليه، دون أدنى شك، في العمل الصحفي، خاصة الصحافة العلمية.

عدت إلى بيروت لإنهاء بعض الأعمال، بينما راح عون يطبع البروشورات ويهيئ للعدد التجريبي الأول، ولم يكد ينتهي من ذلك حتى كان العدد الأول من مجلة “الكمبيرتر والإلكترونيات” الصادرة عن دار الصياد، في الأسواق، وكان هذا كافياً لإلغاء مشروعنا.

لم يخبرني عون بما حدث، وبقينا على الموعد حتى حضرت إلى نيقوسيا، لكن الرجل المبدع “عون ممتاز” كان قد حضَّر لمشروع آخر فاجأني به: مجلة النشرة.

شرح لي الفكرة، ونقلني من الأجواء العلمية “الكمبيرتر” إلى أجواء “السياسة”، وأية سياسة؟ المعارضة حيثما وُجدت.. سنكون صوت المعارضة. فكرت قليلاً وسألت: وما هي رسالتنا؟ هناك الكثير ممن يعملون تحت اسم “المعارضة” يرتبطون بالأجنبي لتحقيق أهداف، أقل ما يقال فيها إنها غير وطنية ومشبوهة، كيف سنتعامل معها؟ وهناك قوى تريد العودة بالمجتمع إلى الخلف، من خلال أفكار أكل الدهر عليها وشرب، هل سنطرح أفكارها للتسويق أيضاً؟ أعني: هل المطلوب مني، وأنا عربي سوري حتى النخاع، أن أروِّج ليكون عصام العطار رئيساً لسورية بدلاً من حافظ الأسد؟ صحيح أن لي ألف انتقاد وانتقاد على الأداء الحكومي في الداخل السوري، لكن هذا شأن سوري محض، غير مطروح للبحث فيه خارج البلد، إضافة إلى أنني، كحيادي إيجابي، أستطيع أن أرى الإيجابيات والسلبيات، وأقيم الأمور من خلال الانتماء للوطن وحده، وليس لفئة فيه، سواء أكانت حزباً أم طائفة أم مذهباً أم جماعة. يجب أن يكون لنا خط وطني، وأن نمارس رقابتنا الذاتية، لكي لا نكون مطية لمن يتربص ببلادنا، وما أكثرهم!

استمع عون لي حتى النهاية، وطمأنني على المبادئ الأساسية للمجلة، وبأنها لن تكون متاحة للعامة من الناس، وإنما للمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، ومراكز البحوث، والهيئات الكبرى، ولن يكون الحصول عليها إلا عن طريق الاشتراك، وسيكون بدل اشتراكها السنوي 750 دولاراً، وهذا ما سيعطيها طالعاً غير شعبي. وهكذا انطلقنا، بعد أن انتهى عون من الأمور الفنية من ماكيت والتبويب واختيار الخط وما إلى ذلك.

Comments are disabled