تجربة “اللقاء” بعد “النشرة”

توقفت “النشرة” عن الصدور، لكن عون ممتاز لم يتوقف عن التفكير. لقد كان في قبرص بعض أصحاب المجلات الذين لا علاقة لم بالصحافة، لا من قريب ولا من بعيد، لكنهم يمتلكون من العلاقات الشخصية، والعلاقات غير المفسرة، ما يمكنهم من إصدار مجلات، معتمدين في إصدارها على صحفيين محترفين، مقابل أجر مجزٍ. وقد سرت إشاعة في أوساطنا، علمت بها من أسئلة الزملاء المتكررة، مفادها أنني اتفقت مع “أحدهم” على إعداد مجلته، ولم يكن لهذا الكلام أساس، سوى أنني أعرف الرجل، وعلاقتي الإنسانية به جيدة، والله يرزق الجميع..

أراد عون الاحتفاظ بي في مشروع جديد، لكن الأزمة كانت مالية، فاقترح علي مشروع إصدار جريدة يومية، فقابلت الأمر بضحكة عالية طويلة:

  • – جريدة يومية؟ إنها تحتاج إلى نبع من المال، وكادر ضخم، أين هو؟

كانت ملامح عون توحي بالجدية، وبأنه فكّر ملياً بالأمر، ووضع الحلول، وسمّى الأشخاص، وأنا على رأسهم. قال:

  • – أنت تؤمِّن التمويل بعلاقاتك.. وأنا أؤمِّن الكادر من لبنان..

أجبته بأنني لا أعرف أحداً قادراً على رصد مبلغ كبير لمغامرة كهذه، فالناشرون الذين أعرفهم مدينون للمطابع، والتجار ليسوا على استعداد لتوظيف أموالهم في مشاريع يجهلون مردودها، وكما تعلم، الصحافة “سوسة” أكثر منها عملاً اقتصادياً!

قال: هذا هو بيت القصيد، هناك تجار مستعدون للتمويل لمجرد ذكر أسمائهم، ويتباهون أمام الناس بقولهم: جريدتي..

أجبته: أنا لا أعرف أحداً منهم، فقاطعني: أنا أعرف أنك تعرف، فكّر جيداً..

قلت: يبدو أنك تصوِّب على شخص بعينه من أصدقائي. قال: صدقت.. سألت: من هو؟ أجابني صديقك الحميم مأمون ميبر الذي عرّفتنا به ذات يوم.

أذهلني عون، فقد انتقى مأمون من بين كل أصدقائي، مع أنني لم أكن واثقاً من قبول مأمون بذلك، فهو صديق عزيز، لكنه تاجر، وللتاجر حساباته، وأنا غير قادر على بذل أي جهد لإقناعه، ولا أستطيع تحمل أي مسؤولية أمامه.

قال لي عون: أنت يمكنك أن تطرح الفكرة عليه دون أن تتبناها، وأن تدعوه إلينا على العشاء مع صديقته الألمانية (لم يكن مأمون قد تزوج بعد).

التقيت مأمون، وكنا نلتقي بشكل يومي تقريباً، وشرحت له ما دار بيني وبين عون، وفوجئت بعينيه تلمعان فرحاً، وأخذ يسألني، لكنني امتنعت عن أي إجابة وأنا أبلغه الدعوة على العشاء مع “إنجي”، فوافق على الفور.

برعت “أمل” زوجة عون في كرم الضيافة، وكان عشاءً ودياً، نتج عنه اتفاق مبدئي على إصدار الجريدة، لكنني أبديت تحفظي عن تحمل أي مسؤولية تترتب على هذا المشروع، وبأن الأمر بين عون ومأمون، فأجمع الاثنان على أنني أنا الجريدة، وأنا من سيكون العنصر الفعال فيها.

بدأ السعي حثيثاً في اليوم التالي، وبدأنا نبحث عن اسم للجريدة، وكان عون ومأمون يحاصراني لاختيار اسم لها، حتى احتجزاني ذات يوم، وقالا لن نتركك قبل أن تختار الاسم، فطرحنا الأسماء المقترحة، واخترت منها اسم “اللقاء”، مبدياً مبرراتي، والأسباب التي دعتني إلى هذا الاختيار، فوافقا.

حين طُرحت الأسماء التي سيستدعيها عون من بيروت، اخترت أن أكون رئيساً لقسم المنوعات، تاركاً قسمي السياسة العربية والدولية للأسماء الكبيرة التي طُرِحت. وهكذا تم استصدار التراخيص وتجهيز جميع المتطلبات لإصدارها.

Comments are disabled