تأثير تخزين العسل على مكوناته

الدكتور المهندس هشام الرز

العسل مادة حية تحتوي على سكريات أحادية سهلة الهضم، مع أملاح ومواد ملونة وإنزيمات، ونسبة من الماء، بالإضافة إلى الهرمونات والمضادات الحيوية وحبوب الطلع والشمع والغذاء الملكي. وهو مادة حلوة المذاق، لزجة، ذات رائحة عطرية، تجمعها الشغالات الحقلية (Field Bees) من غدد رحيق أزهار النباتات المختلفة، وتحولها بداخلها، بعد عدة عمليات، إلى عسل يخزن في الأقراص الشمعية.
يختلف العسل حسب المنطقة التي يجمع منها النحل الرحيق، أي نوع النباتات المزروعة أو الأعشاب البرية التي يجمع منها، وينسب نوع العسل للنبات الذي يجمع منه رحيقاً أكثر، مثل عسل اليانسون، وعسل الكينا، وعسل القطن…. وعلى الرغم من أنها جميعاً أعسال جيدة، لكنها تختلف من حيث الصفات الطبيعية، كاللون والرائحة والنكهة والقابلية للتبلور والكثافة، ويعود ذلك لاختلاف مصادر الرحيق.
تخزين العسل وتبلوره (granulation):
تبلور العسل ظاهرة طبيعية في أغلب أنواعه حين تنخفض درجة حرارته. فبعض الأعسال تكون بلوراتها دقيقة جداً، والبعض تكون بلوراته متجانسة، أو غير متجانسة بظهور سائل في الأعلى، مع ترسب البلورات في الأسفل، أو بلورات دقيقة وكبيرة الحجم. وتختلف درجة التبلور حسب نوعية العسل. حين يظهر سائل في الأعلى تزداد رطوبة الجزء العلوي، ويحصل تخمر وفساد للعسل.
هناك خطأ يشيع بين مستهلكي العسل، إذ يعتبر البعض العسل المتبلور مغشوشاً، وقد وجد أن سرعة التبلور تتوقف على عدة عوامل منها:
• نسبة سكر الجلوكوز إلى الماء، وتتراوح في أغلب الأعسال بين 1.5 و2.24. وكلما زادت هذه النسبة عن 2 زادت سرعة التحبب.
• نسبة سكر الجلوكوز إلى سكر الفركتوز، وغالباً ما تكون أقل من 1، وكلما اقتربت من الواحد كان ميل العسل للتبلور أسرع، والعكس صحيح، أي كلما انخفضت هذه النسبة، قل ميل العسل للتبلور.
• انخفاض درجة الحرارة من العوامل الهامة جداً في تبلور العسل وتراكم بلوراته، وتعد الدرجة 14ْم الدرجة التي يبدأ عندها التبلور.
• يزداد تبلور العسل عند عدم تصفيته بالغرابيل الدقيقة الفتحات.
• يزداد تبلور العسل عند عدم تجانسه، ووجود الشوائب (كالشمع) فيه، ووجود الفقاعات الهوائية داخل العبوة (عند التعبئة).
• يزداد تبلور العسل بزيادة غبار الهواء وحبوب الطلع.
ملاحظة: لا تؤثر ظاهرة تبلور العسل في تركيبه، والكثير من المستهلكين الأجانب يفضل العسل المتبلور.
فساد العسل Alteration of honey:
يمكن للعسل أن يتعرض للفساد، وانخفاض قيمته الدوائية، كبقية المواد الغذائية الطبيعية، ويعود هذا الفساد إلى عوامل عديدة من أهمها:
1. قطف (جني) العسل غير الناضج، والذي يحتوي على نسبة عالية من الرطوبة تؤدي إلى تخمره بعد فترة من حفظه. يجب عدم القطف إلا عندما يلاحظ النحال أن أغلب الأطر العسلية مختومة من قِبَل النحل بنسبة لا تقل عن 80%. ومن المكن الحكم على نضج العسل إذا لم تكن النخاريب مختومة، عند إمالة الإطار، فإذا لم يسل دل ذلك على نضجه، مع العلم أن العسل الناضج المحفوظ جيداً في شروط نظامية لا يتخمر ولا يفسد.
2. التفاعل بين العبوات والعسل: يحفظ العسل بعد قطفه وتعبئته ضمن عبوات معدنية مغلفنة، أو من االستانلس ستيل بعيداً عن الرطوبة. يحدث التفاعل بين العسل والعبوة، فتتشكل مواد ضارة (الصدأ) تؤذي المستهلك. لذلك تستبدل العبوات إذا دعت الحاجة، وإن العبوات البلاستيكية النقية الصالحة لحفظ الأغذية فيها هي أفضل هذه العبوات، لكن لكل عبوة ميزات ومساوئ، وهكذا يصعب إفراغ العسل المتبلور من العبوات البلاستيكية. أما العبوات الزجاجية فهي جيدة، لكنها سهلة االكسر، ويفضل الزجاج الغامق عن الزجاج الفاتح، لأن الضوء يخفف من لون العسل.
عزل العبوات عن الرطوبة:
يجب رفع عبوات العسل عن أرضية المخزن باستخدام قطع من الخشب، مما يقلل من عملية تبلوره وفساده الناتج عن الرطوبة.
تخمر العسل Fermentation of honey:
تزداد سرعة تخمر العسل، كما ذكرنا، كنتيجة لارتفاع الرطوبة فيه، إذ أن العسل الناضج تماماً لا يحتوي على أكثر من 17% ماءً. ففي هذه الحالة من الرطوبة لا يمكن للتخمر أن يحدث مهما كان العسل غنياً بالخمائر. وإذا زادت نسبة الرطوبة عن 17% يزداد نمو الخمائر، وذلك حسب عدد الخمائر المتوفرة في العسل. هذا يعني أن تخمر العسل يتعلق بغناه بالخمائر، ونسبة الرطوبة، ولدرجة الحرارة دور هام في التخمر أيضاً كما رأينا عند تبلور العسل. وإن درجة الحرارة المثلى لتخمر العسل هي نحو 16ْم، لكن حين تنخفض درجة الحرارة عن 10ْم لا يحدث أي تخمر، وكذلك عند ارتفاع درجة الحرارة عن 26ْم. إن تعريض العسل لدرجة حرارة عالية (79 ـ 80ْم) لفترة بسيطة يؤدي إلى تخريب أغلب الخمائر، وهذه الدرجة من الحرارة تؤثر على صفات العسل، وتقلل من صفاته الشفائية والغذائية. لذلك نجد أن حفظ العسل لمدة طويلة يكون أفضل في درجات الحرارة المنخفضة. كما نحب أن نصحح فكرة خاطئة، وهي أن العسل كلما كان أقدم كان أفضل، فالعكس هو الصحيح، والعسل الجديد أفضل من العسل القديم، وقدم العسل لا يحسّن من صفاته، وإنما يؤدي إلى تدهور في الصفات الهامة منها، خاصة إذا كان التخزين في ظروف غير مناسبة. يؤدي قدم العسل إلى:
1. فقد في المواد العطرية الطيارة التي تعطي العسل نكهته الخاصة.
2. ازدياد غماقة اللون.
3. تغير كبير في نسب السكريات، فتزداد السكريات الثنائية، وتقل السكريات الأحادية، أي على العكس مما يُعتقَد، وتتغير نسبة الفركتوز إلى الغلوكوز.
4. قلة الخمائر والإنزيمات في العسل.
5. زيادة نسبة الهيدروكسي ميثيل فورفورال.
6. ارتفاع نسبة الحموض الحرة والحموض الكلية في العسل.
على العموم، يقلل التخزين على درجة حرارة منخفضة من تأثير قدم العسل، مع العلم أن العسل الناضج والمحفوظ في شروط جيدة لا يتخمر، ولا تحدث له تغيرات كثيرة. ومن المعروف أن بعض الشركات الشركات الأجنبية تضيف للعسل المواد الحافظة لتمنع عملية الفساد والتخمر، كما تعرضه للبسترة الخاطفة، فيسخن لدرجة حرارة عالية ولمدة قصيرة لمنع تبلوره، وتعد هذه العمليات من إضافة المواد الحافظة إلى البسترة مرفوضة للحفاظ على نقاوة العسل، وعلى محتوياته المهمة.
المراجع:
1. الرز هشام وحاطوم عبد الله 1995، نحل وحرير، منشورات جامعة دمشق.
2. فتيح عادل، والرز هشام، والبراقي علي 1997، تربية النحل ودودة القز، منشورات جامعة دمشق.
3. الرز هشام، والبراقي على، 1998، منتجات النحل.
4. روت وآخرون، موسوعة نحل العسل، 1997، ترجمة دريد نوايا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نُشر هذا الموضوع في مجلة “النحال العربي”، مؤسسها ورئيس تحريرها المهندس دريد نوايا.

Comments are disabled