النحلة عنصر البيئة الأول

تبقى النحلة عنصر البيئة الأوحد الطبيعي الفاعل، وغير القابل للاستبدال في التنوع البيولوجي، النعصر الضروري الذي يجمع بين الكم والنوع في الإنتاج الزراعي. لذلك يستأجر المزارعون في البلدان المتقدمة زراعياً الآلاف من خلايا النحل أسابيعَ عديدة خلال فترة إزهار أشجار البساتين، وحقول المحاصيل، ليقوم نحل العسل بتأبير الأزهار. ولقد أشار ألبرت إنشتاين إلى أهمية النحلة قائلاً: “لو أن النحلة اختفت من على الكرة الأرضية، لن تدوم حياة الإنسان على سطحها أكثر من أربع سنوات، حيث لن يكون هناك تأبير، ولن تكون هناك أعشاب، وكذلك لن تكون حيوانات، وبالتالي لن تكون هناك حياة للإنسان”.

دور النحلة بالغ الأثر على الزراعة، فهي تفيد الزراعة بما يُقدَّر بأكثر من 30 – 50 مرة من قيمة العسل الذي تنتجه. فإنتاج كيلو غرام واحد من العسل يمثل دورة كاملةحول الكرة الأرضية من طيران النحلة، وتزور طائفة النحل عدة ملايين من الأزهار يومياً. وإذا كانت النباتات المزروعة بحاجة إلى النحلة لتنتج المزيد من الفاكهة والبذور والخضار، فالنباتات البرية أكثر احتياجاً لها كضرورة بيئية، وللحفاظ على ما يزيد عن عشرين ألف نوع من الزيوت العطرية التي يستخرجها الإنسان منها.

التنوع الحيوي (البيولوجي) هو تنوع الحياة على الأرض بكل ما فيها من نظم بيئية Ecosystems، وهو الأساس الذي تقوم عليه التنمية القابلة للاستمرار، وهو ركيزة الصحة البيئية لكوكبنا، ومصدر الأمن الاقتصادي والبيئي للأجيال القادمة.

يُعتقَد بأن أكبر خطر على البيئة يكمن في استبدال النباتات البرية بالنباتات التي زُرِعت لحل مشكلة بيئية راهنة، وهو لا يتمتع بجميع مزايا النبات البري الذي يُعدّ مجموعة من المفاتيح، كل منها قادر على حل مشكلة معيّنة، كمقاومة الصقيع أو الجفاف أو الأمراض، وغيرها. وهكذا، بالقضاء على الأصناف النباتية البرية تزول معها حلول مشكلان المستقبل.

يُعدُّ النحّال اليوم حلقة أساسية في سلسلة الحفاظ على التوازن البيئي العالمي: النبات والحيوان. فلولا النحال لاختفت النحلة من على سطح كوكبنا خلال السنوات الأخيرة، نظراً لما تتعرض له نحلة العسل من التحديات، أهمها آفة طفيلي فاروا النحل Varroa jacobsoni التي تهدد بالقضاء على مهنة النِّحالة، لولا العناية المستمرة والمنتظمة التي يوفرها النحال لطوائفه. وهذا يعني أنه ليس لطرود نحل العسل البرية أو الشاردة من حظ للبقاء في مواجهة المرض، ولن يستطيع البقاء إلا النحل الذي يربّيه الإنسان ويرعاه فقط. وهذا النحل هو الذي يقوم حالياً بمهمته في البيئة، وذلك باستمرار تأبير الأنواع النباتية الحشرية التأبير Entomophilous، يشارك نحلةَ العسل عددٌ كبير من الحشرات المؤَبِّرة الأخرى Insect pollinisators غالبيتها من فصائل النحل الإحدى عشرة، التي تحدُّ الزراعة الحديثة من دورها بتخريب مساكنها في التربة، وتهدد وجودها مخفضةً أعدادها بشكل كبير في مناطق انتشارها الطبيعية.

إن وضع النحلة في غاية الخطر، مما يتطلب حمايتها والحفاظ عليها باستنفار الجهود، للتعريف بالدور البيئي لنحلة العسل والحشرات المؤبِّرة الأخرى، بالقيام بحملات تثقيفية إعلامية واسعة للوصول إلى تلك الغاية.

ولن تقدم الحماية الحقيقية للنحلة إلا من نحال يتمتع بالحماية نفسها. فإدخال أعسال كثيرة للبلدان التي تُنتج كفايتها، مستوردة رخيصة ذات نوعية رديئة، يؤثر على الأسعار، ويُضعِف النحال، وقد يؤدي في حالات كثيرة إلى خروجه من المهنة، وفي هذا خسارة زراعية وبيئية كبيرة.

ينطوي استهلاك العسل المحلي على فعل بيئي هام، يعود علينا بفائدة تتمثل بارتباط النحال بمهنته، ويمكِّنه من الحفاظ أكثر عليه، وفي هذا فائدة للبيئة المحلية المحيطة.

يستهلك المواطن الألماني أكثر من 2 كلغ سنوياً من العسل، في حين أن غالبية مواطني الدول العربية لا يتجاوز استهلاك الفرد فيها المئة غرام في السنة. وكثيراً ما نجد أطفالاً لم يتذوّقوا نقطة من العسل أبداً خلال حياتهم. وهذا يتطلب كثيراً من التفكير في حرمان ذلك الفرد من استهلاك مادة طبيعية تحمل له الغذاء والدواء الطبيعي، والصحة والعافية. ناهيك عن منتجات الخلية الأخرى. أليس في هذا السلوك ضرر للطرفين: المنتج والمستهلك، وإضرار بالغ بالبيئة؟!

إن الحفاظ على زراعاتنا وصناعاتنا المحلية يكون بالحفاظ على التنوع الحيوي الذي تعد النحلة أحد عناصره المهمة.

الدكتور علي خالد البراقي

جامعة دمشق – كلية الهندسة الزراعية

Comments are disabled