التأبير الناجح للتفاح

رشيد يزبك

نقيب النحالين اللبنانيبين

منذ سنوات قليلة كانت لدى مزارعي التفاح في الهيمالايا أصناف عدة من التفاح. منها أصناف تجارية، كالجولدن، والجوناثان، الأحمر، الذهبي، الكالي دايفي، والملكي اللذيذ (Royal delicious). وكانت هذه التشكيلة تؤمن لبعضها البعض تأبيراَ كافياً، وبالتالي إنتاجاَ وفيراً من الثمار الجميلة.

لكن منذ سنة 1980، وبسبب الأسعار المرتفعة للتفاح الملكي اللذيذ، راح المزارعون يقتلعون باقي الأصناف، ويزرعون مكانها الصنف المرغوب الرويال ديليشس. وهكذا ما لبثت أن صارت كل البساتين الجديدة مزروعة فقط بهذا الصنف وحده، الذي بدا أنه عقيم، ويتطلب تأبيراً من أصناف أخرى ليعقد ويثمر. ولأن المزارعين لم يعد لديهم هذه الأصناف، فقد اشتدت حاجتهم لتأبير تفاحهم من أجل زيادة المحاصيل، وتجميل الثمار، فعاودوا زراعتها من جديد. ومنهم، في مقاطعة شيملا، من طعَّم بعض أشجاره بمطعوم من صنف سنودريفت المؤصل من صنف من التفاح البري. وميزة تفاح سنودريفت انه يزهر بما يشبه الباقة، ويبقى مزهراً لمدة طويلة تزيد عن شهر، وبذلك يمكنه تأبير عدة أصناف من التفاح، حتى المبكرة الإزهار أو المتأخرة.

حل سريع للمشكلة

ولأن الحاجة تفتق الحيلة، فقد ابتكر المزارعون حلاً سريعاً للمشكلة، إذ علقوا على كل شجرة كيساً من النايلون مليئاً بالماء وبأغصان مزهرة من التفاح القوي التأبير. وسمي هذا الأسلوب من التأبير بباقات التأبير. وكان أول من بدأ هذا الأسلوب جولاب سينج سنة 1994 في مقاطعة كوللو، حيث كانت نسبة الإنتاج في بساتين التفاح قد تدنت إلى 10%، وعندما بدأ باستعمال باقات التأبير بواسطة أكياس النايلون المليئة بباقات مزهرة من أغصان التفاح القوي التأبير، لاحظ انه حصل على إنتاج وفير من الثمار الجميلة، مما حمل جيرانه من المزارعين على الاستفسار عن الطريقة التي اتبعها للحصول على هذه النتيجة الباهرة، وفي السنة التالية، اتبع معظم المزارعين طريقة جولاب فنجحوا مثله في الحصول على إنتاج أكبر من التفاح، وثمار أجمل بنسبة 50%. وكان هذا الأسلوب هو الحل الأسرع للتعويض عن هذا النقص في التأبير.

مشاكل غير متوقعة

تبين أن بعض المزارعين الذين ليس لديهم أشجار تفاح قوية التأبير تكفيهم لتحضير أكياس الباقات لكل أشجارهم، راحوا يسرقون هذه الأغصان من عند جيرانهم، وصار الذي يضبط وهو يحمل مقصاً أو أغصاناً مقطوعة يعتبر سارقاً، وعليه أن يثبت أن هذه الأغصان هي من بستانه وليست مسروقة، كما ازدادت أسعار أكياس النايلون كثيراً بسبب شدة الطلب فوق المتوقع على شرائها.

نقص التأبير

بالإضافة إلى اقتلاع أصناف الأشجار القوية التأبير، هناك سبب آخر زاد من حدة المشكلة، يتمثل في قتل الحشرات التي كانت تقوم بهذا التأبير، وهي تنتقل من زهرة إلى أخرى، مثل النحل والفراشات، وذلك نتيجة لرش الأشجار بالمبيدات بنسبة عشر مرات في السنة، حتى في أوقات ازهرار التفاح.

استئجار المناحل للتأبير

لا تزال المناحل العامل الرئيسي لتأبير أزهار التفاح، ولذلك تُستأجر في موسم الإزهار بمعدل عشرين دولاراً للطائفة. لأن النحالين الذين يرحلون مناحلهم إلى السهول الهندية خلال فصل الشتاء، يفضلون إبقاءها هناك، للاستفادة من حقول البرسيم ودوار الشمس الغنية بالرحيق، على نقلها إلى جبال التفاح الأقل رحيقاً.

لذلك تشجع وزارة الزراعة أصحاب بساتين التفاح على أن يقتنوا مناحلهم الخاصة لاستدراك هذا النقص في استئجار المناحل، فتعرض عليهم الطائفة بسبع دولارات ونصف، في حين أنها تباع في السوق الحرة بخمسين دولاراً.

رش المبيدات

يرش المزارعون المبيدات الكيماوية على مزروعاتهم حتى ولو لم تكن مصابة بأي مرض، بهدف وقايتها، وخصوصاً التفاح الأحمر وتفاح السكاب، من الحشرات الضارة. لكنهم اليوم صاروا يعرفون أكثر عن حاجاتهم المفضلة في المحافظة على النحل، من أجل تأبير بساتينهم، فقللوا كثيراً من رشهم للمبيدات السامة بمعدل خمس رشات في السنة بدلاً من عشر، وما عادوا يستعملون إلا المبيدات الأقل سمية على النحل وخصوصاً قبل الإزهار بأسبوع، أو بعد عقد الأزهار بأسبوع. كما بات عدد كبير منهم يكافح الأوبئة بيولوجياً بأعدائها الطبيعية.

وفي السنوات الأخيرة انبرى بعضهم إلى تأبير أزهار التفاح باليد زهرة زهرة، وهذه الطريقة في نظرهم تؤمن إنتاجاً أكثر وخصوصاً ثماراً أجمل. وهم يستطيعون تحمل كلفة هذا التأبير اليدوي لأزهار تفاحهم نظراً لنتيجته المربحة. ويحضر اللقاح بأخذه من أزهار الأصناف القوية التأبير، ومن ثم مزجه بقليل من الطحين الأبيض (الزيرو)، أو من الحليب البودرة المنزوع الدسم، وباستخدام فرشاة، ينقل هذا اللقاح المحضر إلى الأزهار المتفتحة، يكفي لتأبير من 20 إلى 50 زهرة على الغصن باليد. أما الباقي فيتكفل بنقله النحل وهو ينتقل من زهرة إلى أخرى. وبأي حال يبقى دور النحل في التأبير مؤكداً سواء بعد التأبير باليد أم بالتأبير الطبيعي.

وقد صادف في السنوات الأخيرة حصول طقس بارد وممطر في أثناء تفتح الأزهار، مما قلل من تأبير الحشرات. كما يقلل الطقس البارد من حسن التأبير عندما تتدنى درجة الحرارة كثيراً.

مكافحة الجليد

إذا تعرضت الأزهار لطقس جليدي، يعمد المزارعون إلى إحراق الأعشاب في بساتين التفاح لرفع درجة الحرارة قليلاً فيها، بينما يعمد بعضهم الآخر إلى رش الأزهار بالماء عند المساء لمنعها من التجليد في صباح اليوم التالي، كما يقوم بعض آخر برش الأزهار بالبوراكس لتأخير تفتحها لمدة أسبوع تقريباً لتحاشي موجة الصقيع.

 الخلاصة

بات كل مزارعي التفاح في هيمشال اليوم متأكدين من ضرورة تأبير الأزهار بواسطة النحل، وتود السلطات الحكومية مساعدتهم كثيراً في هذا المجال ولكن الإمكانيات المادية محدودة.

 المصدر: بارتاب وأيكيمود.

Comments are disabled