وبات غضب الطفل

إذا كان طفلك بين الثانية أو الثالثة من عمره، قد يسبب لك الحرج عندما تكونين في السوق أو في نزهة مع بعض صديقاتك، ويبدأ طفلك بالصراخ أو ضرب الأرض بقدميه، أو إلقاء نفسه على الأرض.

التعامل مع غضب الطفل أمر محير، ومرهق، ويمثل ضغطاً نفسياً على الأبوين، لكن هدفك يجب ألا يكون كبت مشاعر الغضب لدى طفلك أو لديك، بل أن يكون هدفك تقبل تلك المشاعر وفهمها، ثم توجيه الطفل إلى الأساليب المقبولة للتعبير عن تلك المشاعر. إذا نظرنا إلى نوبات الغضب بالمنظور السليم سنجد أنها جزء بناء للغاية في النمو الصحي للطفل.

  • 1- لماذا يغضب الطفل؟

نوبات الغضب بسبب الإرهاق أو الغيظ:

عندما يكون طفلك مرهقاً، أو جائعاً، أو متضايقاً من شيء، يشعر بالغضب لأنه لا يعرف أي طريقة أخرى للتعبير عن تلك المشاعر. ينمو لدى الطفل هذا الشعور بالغضب، فيبدأ الطفل في الصراخ والضرب بقدميه.

ماذا تفعلين؟

حاولي معرفة سبب غضبه أولاً، فإن كان مرهقاً، حاولي أخذه إلى الفراش لينام، وإن كان جائعاً أعطيه وجبة خفيفة، أما إذا كان متضايقاً من شيء، فحاولي تهدئته واطلبي منه أن يشرح لك بهدوء ما يضايقه. حاولي أن تظهري فهمك له وتعاطفك معه. على سبيل المثال، إذا كان سبب غضبه عدم قدرته على ترتيب الـ”بازل” فيمكنك أن تقولي له: “هذا الـ “بازل” حقاً يبدو صعباً، ثم اعرضي عليه مساعدتك، وإذا لم يقبل المساعدة اكتفي بتشجيعه. ضعي في ذهنك أن الأطفال في هذه السن لا يعرفون متى يتوقفون عندما يشعرون بالتعب، وكيف، فطفلك يعتمد عليك في هذا الأمر. إذا رأيت أن الـ”بازل” على سبيل المثال صعب جداً عليه، اقترحي عليه أن يتوقف ويقوم بعمل شيء آخر لبعض الوقت، وقاومي شعورك بالرغبة في التدخل لحل المشكلة لإنهائها، لأنك بذلك ستعلمين طفلك الاعتماد على الآخرين.

  • 2- نوبات الغضب بسبب الرفض أو الامتناع عن أمر معين:

في مرحلة معينة من مراحل عمر الطفل تكون كلمة “لا” هي الرد الدائم عنده، فعندما تقولين له: الآن “وقت الطعام” أو “وقت الذهاب إلى المدرسة” أو “وقت الحمام” ستواجهين دائماً بكلمة “لا”. بعد قليل، ستصبح كلمة “لا” هي الرد على أي طلب أو اقتراح.

ماذا تفعلين؟

يتعلم الطفل قول “لا” قبل قول “نعم”، فالطفل يسعى إلى التفرد ويحاول أن يجعل لنفسه كياناً مستقلاً عن أبويه. تجنبى المواقف التي تستدعى قول “نعم” أو “لا” وذلك بالتمهيد مسبقاً لما تريدين. على سبيل المثال، عند وقت النوم قولي لطفلك، “بعد قليل يا حبيبي ستدخل لتنام، يمكنك أن تلعب مرة واحدة فقط” بدلاً من قول: “هيا! حان وقت النوم.” بهذه الطريقة سيكون الطفل سعيداً بأنه لا يزال يستطيع اللعب لبعض الوقت، وعندما ينتهي الوقت وتخبرينه أن الوقت قد حان لدخول الفراش لن يشعر بضيق شديد.

  • 3- نوبات الغضب بسبب الرغبة في لفت الانتباه:

يحتاج طفلك إلى انتباهك له، ويريد هذا الانتباه في الحال. على سبيل المثال، إذا كنت مشغولة بعمل شيء أو لديك ضيوف على العشاء، وطفلك مصر على أن تلعبي معه في الحال، أو كنت في السوق وطفلك يريدك أن تشتري له شيئاً في الحال. هذه النوعية من نوبات الغضب تشمل “النق” والتمرغ على الأرض.

 ماذا تفعلين؟

قولي “لا” فقط وارفضي الاستسلام لطلبه، وغالباً سيبكى طفلك ويصرخ ويضرب الأرض بقدميه. حاولي البقاء هادئة وابتسمي وأخبريه أنك تحبينه، ثم خذيه ودعيه يجلس في مكان هادئ إلى أن تنتهي نوبة غضبه، وعندما يهدأ اعرضي عليه أن تتحدثا سوياً. بهذه الطريقة سيتعلم طفلك أن ما فعله ليس هو الأسلوب السليم للفت الانتباه. قد يكون السبب وراء نوبة غضب طفلك هو رغبته في لفت انتباهك إليه، فإذا كان الحال هكذا، فأنت تحتاجين لقضاء وقت أطول معه.

  • 4- نوبات الغضب المحرجة:

هذه النوعية من نوبات الغضب تظهر عادةً في الأماكن العامة أو أمام الناس. يقوم الطفل بالصراخ الشديد وضرب الأرض بقدميه والقذف بالأشياء وتكسيرها. يزداد شعور الطفل بالغضب إلى أن ينفجر في الآخرين. في هذه الحالة يكون مطلوباً منك رد فعل فوري، لكي لا يؤذي الطفل نفسه أو الآخرين.

ماذا تفعلين؟

الحل الأمثل هو اتباع طريقة “الوقت المستقطع” وهي وضع الطفل بمفرده في مكان هادئ (لكن تذكري، دقيقة واحدة فقط لكل سنة من عمر الطفل)، مع الاطمئنان بأن باب الغرفة مفتوح. إذا كنتما في مكان عام، خذيه واخرجي من المكان، أو خذيه إلى سيارتك. علمي طفلك أن سوء السلوك لن يجد قبولاً منك أو من الآخرين، وأنه لن يكافأ أبداً على سوء سلوكه، لكن من أجل حل بناء طويل المدى، حاولي الاستماع إلى طفلك لكي تعرفي سبب غضبه.

  • 5- نوبات الغضب العارمة:

إذا أصبح الموقف صعباً على طفلك قد يفقد سيطرته على نفسه ويبدأ في ضربك أو في ضرب الآخرين.

ماذا تفعلين؟

من المهم أن تمسكي طفلك إذا سمح لك بذلك، لكن ليس بطريقة عنيفة. امسكي به وكأنك تحتضنينه وقولي له: “أنا سأمسك بك حتى تهدأ لكي لا تؤذي نفسك أو غيرك،” يمكنك حتى أن تسمي هذا الوقت “وقت الحضن الكبير” وافعلي ذلك كلما فقد طفلك السيطرة على نفسه. تذكري أن الأطفال أحياناً يخافون من قوة غضبهم، ويحتاجون لشخص آخر يسيطر على الموقف. طمئني طفلك أنه حتى لو فقد السيطرة على نفسه فأنت لن تفقدي السيطرة على نفسك أو على الموقف.

  • 6- نصائح لنوبات الغضب:
  • من المهم للغاية عدم استسلامك لنوبات غضب طفلك، لأنها بذلك ستتكرر بشكل أكثر. حتى لو كان ما يطلبه طفلك طلباً توافقين عليه، إلا أنه إذا طلب ذلك بدخوله في نوبة غضب قولي له: “أتمنى أن ألبي لك هذا الطلب، لكنني لا أستطيع ذلك الآن لأنك تتصرف بهذا الشكل، ربما في المرة القادمة أشتري لك ما تطلب.” وحتى لو لم يعبر طفلك عن فهمه لما تفعلين، إلا أنك بذلك قد علمته شيئاً، وفي المرة التالية سيحرص على التصرف بشكل أفضل حتى يحصل على ما يريد.
  • تخلصي من فكرة أن الغضب دليل على سوء التربية، فالغضب في الحقيقة شعور بالخوف يعتري الطفل، ولا يستطيع السيطرة عليه، ولا يعرف كيف يعبر عنه. لا تنسي أن الغضب الذي يضايقك يخيف طفلك أيضاً.
  • إن هدفك هو أن تعلمي طفلك كيف يتخذ قرارات جيدة بنفسه ويتعامل مع المواقف الصعبة. فعندما يغضب طفلك نتيجة سقوط مكعباته كلما رصها، فهذا يمثل موقفاً صعباً عليه حتى لو لم تلحظي ذلك.
  • خلال مرحلة الطفولة يتشابه الغضب مع الحزن، ففي نوبة غضب طفلك القادمة حاولي معرفة ما يحزنه.
  • هناك خط رفيع بين الغضب والعدوانية، فالغضب شيء طبيعي لأن طفلك يشعر بالضيق، أما الطفل العدواني فكثيراً ما يحاول تدمير الأشياء أو إيذاء الآخرين، سواء بالكلمة أم بالفعل. السلوك العدواني يعنى وجود مشاكل مشاعرية لدى الطفل تحتاج للتعامل معها بشكل سليم باتباع طريقة “الوقت المستقطع” في كل مرة يسيء فيها الطفل السلوك. إذا استمر الطفل في سلوكه العدواني وبدا عليه الاستمتاع بإيذاء الآخرين يجب أن يطلب الأبوان مشورة أخصائي نفسي.
  • ليس كافياً أن تقولي لطفلك إن هذا سلوك غير مقبول، لكن قولي شيئاً مثل: “دعني أريك طريقة أفضل لفعل ذلك،” ثم أرشديه.
  • تذكري أن لكل طفل شخصيته المنفردة، فالأسلوب الذي يصلح مع طفل قد لا يصلح مع طفل آخر. فقد يهدأ طفل من حمله واحتضانه، وقد يهدأ طفل آخر إذا أظهرت له أنك تفهمين مشاعره. من المهم أن تجربي مع طفلك كل الطرق حتى تعرفي الأسلوب الذي يشعره بالأمان حتى تمر لحظات الخوف التي تعتريه.
  • هناك خط رفيع بين التربية بالإرهاب والتربية التي تعلم الطفل. إن الضرب أو الصراخ بالطفل سيحط من قدره، ويقلل من تقديره لذاته، أو قد يدفعه للعند. بدلاً من ذلك جربى طريقة “الوقت المستقطع”، عدم استسلامك لنوبات غضبه وتوجيهه خلالها بحزم.

ملاحظة: عندما تكونين في مكان عام يكون توجيه سلوك طفلك مسألة أصعب، لكن يجب أن تنسي الشعور بالذنب والحرج، وتضعي في ذهنك أن ما تفعلينه هو لصالح طفلك، وهو ما سيستمر معه لمدة الـ”60″ أو الـ”70″ عاماً القادمة. الطفل الذي لا يتم التعامل مع نوبات غضبه بشكل سليم، سيصبح عندما يكبر إنساناً يعانى من نوبات غضب في بيته وعمله، لأنه لم يتعلم أي طريقة أخرى للتعامل مع المواقف التي تغيظه أو تضايقه.

Comments are disabled